مرت سنة كاملة على الزلزال الذي ضرب إقليم الحوز، وخلف أضرارا كبيرة في القطاع التجاري، حيث انهارت محلات تجارية وتضررت أخرى، وتوقفت الحركة التجارية بالعديد من المناطق، كما هو الحال بأمزميز، إذ ظل التجار ينتظرون أن تلتفت البرامج الحكومية إليهم، وتدرجهم ضمن خانة المتضررين الذين وجبت مساعدتهم.
وبعد طول انتظار، أفرجت الوزارة الوصية عن برنامج دعم التجار لإصلاح محلاتهم التجارية، لكن رغم ذلك مازالت عملية الاستفادة تسير ببطء شديد، في حين يجد التجار أنفسهم أمام “بيروقراطية” الإدارة المكلفة بتراخيص البناء، إذ لم تشملهم عملية تبسيط مساطر الإصلاح أو البناء، التي استفاد منها المتضررون من انهيار المساكن.
في ختام يوم منهك، حيث تترنح الإضاءة الضعيفة في جدران محل تجاري بأمزميز، طالما كان ملاذا للعائلات، يقف رشيد عند مدخل الدكان، قبل أن يلج إلى داخله، حيث لازالت آثار الانهيارات بادية للعيان.. انهيارات وذكريات، ودفتر رث..
قصص وحكايات…
بين طيات الدفتر قصص وحكايات وظروف اجتماعية، لسكان نسجوا علاقات استثنائية مع بقال الحي، الذي يعتبر ملاذهم في كل لحظة وحين.
يفتح رشيد تلك الصفحات المتهالكة من الدفتر، كصفحات ذكريات ضحايا الزلزال، فالأحرف والأرقام لم تعد تلمع كما كانت، بل منها ما طمره حبر النسيان.
يتأمل رشيد الأرقام القديمة، والأسماء التي نقشت بمداد يكاد ينمحي، ويبتسم بحزن عميق، ويقول، “إنه ما تبقى من رأسمال. ديون كثيرة في ذمة بعض الجيران، منهم من قضى نحبه، ومنهم من ينتظر”، ثم يضيف، بصوت ممزوج بالألم، وهو يسافر بين صفحات ذلك الدفتر، يتمعن في الأسماء والأرقام، كم من اسم هنا في هذا الدفتر، هو الآن تحت التراب، وكم من اسم أنظر إليه الآن فقد عزيزا، كم طفل كان يأتي للمحل، هو في عداد الموتى.
يتنهد ثم يضيف، “الله هو الرزاق، أعتبر هذه الديون صدقة على من رحلوا من أبناء المنطقة، كان من الممكن أن أكون من بين الموتى”.
يستعيد رشيد تجاربه التي طالما ارتسمت في أفق المحل، وكيف كانت الحركة تدب في شرايين أمزميز “فهذه المدينة كانت تعج بالحركة، وكانت التجارة مزدهرة، لكن اليوم الوضع مختلف تماما، فالغلاء ألهب جيوب الناس، وكذلك تبعات الزلزال. الناس لا تفكر اليوم سوى في بناء عش يقيها الحر في الصيف والبرد في الشتاء”.
دفتر اجتماعي
تسكن في دفاتر رشيد، صرخات مؤجلة، مثلها مثل الجدران المتشققة التي تحمل أثقالا حتى الآن. كل اسم، وكل رقم، في دفاتر “الكريدي” عند رشيد، يحكي عن قصص اجتماعية وإنسانية.
اليوم، أصبح المحل رماديا، والمعاملات المالية أو التجارية، تشبه أنغاما حزينة تعزف على آلة حساب قديمة، تعلوها آثار الغبار الممزوج بالدقيق الأبيض.. حتى الأشواق للأيام الخوالي تكاد تذوب في سراب الذكريات، تحت وطأة انتظار إصلاح ما أفسده الزلزال.
الأمل الأخير
أما محمد، فقد أغلق محله التجاري منذ الزلزال، بعدما انهار تماما، وبات يحتاج إلى إعادة البناء، لكن بيروقراطية الإدارة، تشل حركته، فمساطر رخص البناء معقدة جدا، وتحتاج إلى ردح من الزمن، ومصاريف باهظة، وكل ذلك ليس في مقدور محمد، الذي ينتظر أن يجد وضعه الاستثنائي التفاتة من الجهات المعنية.
“أملنا في الله، وفي مصالح ولاية جهة مراكش آسفي، لإيجاد تسوية، تنهي مسار عذابنا، تكفي سنة من العذاب ومن الهم الذي سكننا، ومن الألم الذي قطع أوصالنا، ومن الانتظار الذي هزمنا، وجعل الحياة تبدو أمامنا بعيدة المنال”، يقول محمد، وهو يقودنا في رحلته نحو محله التجاري، الذي يقف أمامه، ليسترجع ذكريات الماضي القريب، حيث كانت أمزميز تعج بالحركة، وكان محله وجهة للراغبين في التبضع.
“جزار معشي باللفت”
أما حسن عفيف، الذي التقيناه ذات يوم أمام محله السكني، يرقب أشغال البناء، فلم يجد من لازمة سوى المثل الشعبي “جزار معشي باللفت”..
حسن عفيف، جزار، انهار محله التجاري، وانهارت معه أحلامه، فلا هو استفاد من إعادة بناء مسكنه، ولا هو استفاد من إصلاح محله التجاري. إنه ينتظر الذي يأتي أو قد لا يأتي..
يبدو أن الألم والإحباط تسللا إلى حسن وأخذا منه مأخذا، وغابت الرشاقة والحيوية اللتين كانتا تطبعان حياة الجزار، الذي يتوجه باكرا نحو سوق الأغنام، ليقتني ما يذبحه في المجزرة، ويعرضه في محله التجاري، ليقفل عائدا في المساء إلى منزله محملا بكل ما تحتاجه أسرته.
أما اليوم، فينتظر من يجود عليه، أو من يتصدق عليه، رغم أنفته وعزة نفسه، يجد نفسه عاجزا عن توفير ما يسد رمق أبنائه.
حالة حسن، هي حالة العديد ممن فقدوا مورد رزقهم، وأغلقت محلاتهم أو فقدوا رؤوس أموالهم من سلع أو ديون تراكمت في ذمة ضحايا الزلزال..
بوعلي: أملنا أكبر من آلامنا
يقضي بوبكر بوعلي، رئيس جمعية السلام لتجار ومهنيي بلدية أمزميز، يومه بين الإدارات العمومية والمؤسسات المنتخبة ذات الصلة، مرافعا عن قضايا تجار ومهنيين وحرفيين متضررين.
يتأبط ملفا يتضمن قوائم المتضررين، والعشرات من المراسلات التي وجهت للعديد من المسؤولين..
لا يكل ولا يمل بوعلي في شرح ظروف التجار بأمزميز، ومدى فداحة الخسائر التي تكبدوها..
“لقد خضنا معارك عديدة، لإيصال صوتنا، وبالفعل نجحنا في إيصال رسالتنا، وبدأ أملنا يكبر أكثر فأكثر”، يقول بوبكر بو علي.
يلج بوعلي، عصر يوم الخميس، إلى غرفة التجارة والصناعة والخدمات بمراكش، يلتقي هناك برئيس الغرفة، كمال بنخالد، وعبد المولى البلوطي، نائبه، ومدير الغرفة، وأعضاء آخرين..
يبدو بوعلي كـ “ماكينة” لا تتوقف عن اقتراح الحلول للعديد من المشاكل، التي تقف حجر عثرة أمام تنفيذ مشروع إعادة تأهيل القطاع التجاري المتضرر من الزلزال بالحوز.
يقول بوعلي لـ “الصباح”، “لقد شكلت غرفة التجارة والصناعة والخدمات سندا لنا في معركتنا من أجل نيل حقوقنا، وكان لرئيس الغرفة الفضل في الدفاع عن قضيتنا العادلة، داخل مجلس المستشارين، وقد تحقق جزء مما نطمح إليه”.
ويضيف بوعلي، “اليوم، تمت الموافقة على استفادة عدد من التجار، منهم من استفاد وشرع في إصلاح محله، وآخرون في الطريق، وفئة أخرى مازلنا ندافع عن أحقيتها في الاستفادة”.
ويؤكد بوعلى أن لجنتين زارتا المتضررين، إحداهما وقفت على الخسائر التي تكبدها التجار في ما يخص التجهيزات والمواد الغذائية التي أتلفت وغيرها، وثانية تابعة للمختبر العمومي للتجارب والدراسات، وقفت على وضعية البنيات التجارية، ومدى تضررها من الزلزال.
لغة الأرقام…
أحصت وزارة الصناعة والتجارة، المحلات المتضررة، إذ بلغت، 2910 نقاط بيع خاصة بالتجارة والخدمات، تتوزع بين 2323 بجهة مراكش آسفي، و587 بإقليم تارودانت، 45 في المائة منها تعرضت للهدم الكلي أو مهددة بالانهيار، فيما 51 في المائة تعرضت لأضرار متفاوتة.
وسجلت الوزارة نفسها، أن زلزال الثامن من شتنبر أتلف سلع 51 في المائة من التجار الذين شمل الإحصاء محلاتهم، بينما ألحق بسلع 45 في المائة منهم، أضرارا متفاوتة.
واستنادا إلى أرقام الوزارة، فإن أزيد من 36 المائة من المحلات تخص التغذية العامة (البقالة)، و16 في المائة مقاه ومطاعم، 7 في المائة هي محلات مختصة في بيع اللحوم، فضلا عن محلات لبيع الملابس وأنشطة أخرى.
تعليقات
إرسال تعليق