أثارت العلاقة المثيرة للجدل بين رئيس الحكومة المغربية عزيز أخنوش وشركة "أفريقيا غاز" التي يمتلكها، تساؤلات عديدة حول استغلال النفوذ وتضارب المصالح في قطاع الغاز والبترول في المغرب. وقد تزايدت هذه التساؤلات بعد الكشف عن علاقة مشبوهة بين "أفريقيا غاز" وشركة "ساوند إنرجي" البريطانية التي تشرف على عمليات التنقيب واستخراج الغاز في حقل تندرارة.
وتعتبر "أفريقيا غاز" واحدة من أكبر الشركات الفاعلة في سوق الغاز المغربي، ويمتلك عزيز أخنوش الحصة الرئيسية من رأسمالها، وهو ما يضعه في موقف حساس بسبب توليه رئاسة الحكومة، حيث تتزايد الشكوك حول استغلال منصبه لتحقيق مصالح شخصية عبر شركاته الخاصة. هذا الوضع يثير أسئلة حول مدى تأثير هذه العلاقة على المنافسة الشريفة في قطاع الغاز.
احتكار السوق وتضارب المصالح
في رسالة وجهها إلى رئيس لجنة البنيات الأساسية والطاقة والمعادن والبيئة، كشف عبد الله بووانو، رئيس المجموعة النيابية للعدالة والتنمية (البيجيدي)، عن استفادة شركة "أفريقيا غاز" من اتفاق احتكاري مع شركة "ساوند إنرجي"، يتيح لها بيع وتوزيع الغاز المستخرج من حقل تندرارة لمدة 10 سنوات، بمعدل 100 مليون متر مكعب من الغاز المسال سنويًا. وأشارت الرسالة إلى أن هذا الاتفاق، الذي تم توقيعه بعد اجتماع وصف بـ"رفيع المستوى" في وزارة الاقتصاد والمالية، جاء في أعقاب إسقاط مستحقات ضريبية كبيرة على "ساوند إنرجي" بقيمة 36 مليون دولار، مما أثار تساؤلات حول تأثير النفوذ السياسي في هذه القرارات.
تركيب البنية التحتية لنقل الغاز
ووفق ما أعلنت عنه منصة "الطاقة" المتخصصة (مقرّها واشنطن)، فمن المقرر أن تبدأ شركة "أفريقيا غاز" في تثبيت البنية التحتية لنقل الغاز المسال من حقل تندرارة في ربيع عام 2025، وهي خطوة أخرى تؤكد هيمنة الشركة على سلسلة الإنتاج والنقل والتوزيع. ويجري التحضير لتركيب خط التدفق، مما يعزز الشكوك حول سيطرة "أفريقيا غاز" على السوق بشكل كامل، واستفادتها من موقعها القوي في الحكومة، عن طريق مالكها أخنوش، لضمان هذه المكاسب الاقتصادية.
إعفاءات ضريبية
أحد الجوانب المقلقة في هذه العلاقة هو إسقاط مستحقات ضريبية على "ساوند إنرجي"، وهو القرار الذي اتخذ خلال اجتماع حكومي بعد أسبوع واحد فقط من توقيع الاتفاق بين الشركة البريطانية و"أفريقيا غاز". حيث تم إسقاط حوالي 14 مليون دولار من الضرائب المستحقة نتيجة عمليات تحويل أصول وحقوق في حقل تندرارة، بالإضافة إلى 22 مليون دولار من إعادة احتساب ضريبي، مما يعني إسقاط 36 مليون دولار بشكل نهائي في عام 2023.
شراكة استراتيجية وتجاوزات قانونية
وتحولت "أفريقيا غاز" إلى الشريك الاستراتيجي لشركة "ساوند إنرجي"، بعد أن اقتنت 9.8% من رأسمال الشركة البريطانية في بورصة لندن، مما مكنها من الهيمنة على عمليات التنقيب والتوزيع في المغرب. هذه الشراكة ليست فقط اقتصادية، بل تمثل انتهاكًا لمبادئ التنافسية الشريفة في السوق المغربية، حيث أصبحت "أفريقيا غاز" فاعلاً رئيسيًا في سلسلة التوريد والتوزيع، وهو ما وصفه بووانو بأنه "احتكار لسوق الغاز" واستغلال واضح لمقدرات المغرب.
ممارسات غير عادلة وضغط ضريبي
مجموعة العدالة والتنمية أشارت في رسالتها إلى أن "أفريقيا غاز" وصندوق الاستثمار في النفط والغاز قاما بشراء أسهم "ساوند إنرجي" في يوم واحد، وهو ما يثير شكوكًا حول تسريب معلومات حول إسقاط الضرائب، مما يمكن من تحقيق أرباح غير شريفة. هذا التسريب يعزز مخاوف من أن الضغط الضريبي استُخدم لانتزاع تنازلات من "ساوند إنرجي" وتمكين "أفريقيا غاز" من السيطرة على السوق.
خرق مبادئ المنافسة الشريفة
ويرى مراقبون أن هذه العلاقة المشبوهة بين "أفريقيا غاز" و"ساوند إنرجي" تتجاوز مجرد شراكة تجارية، لتصل إلى خرق مبادئ التنافسية الشريفة. إذ تمكّنت "أفريقيا غاز" من الوجود على طول سلسلة الغاز في المغرب، بدءًا من التنقيب، مرورًا بالإنتاج، وصولًا إلى التوزيع والبيع، مما يضعها في موقع احتكاري يضر بمصالح باقي الفاعلين في السوق، ويثير مخاوف بشأن احتكار الموارد الوطنية واستغلالها لمصالح شخصية.
هذه الوقائع تشير، بما لا يدع مجالا للشك، إلى أن رئيس الحكومة المغربية عزيز أخنوش قد استغل منصبه لتحقيق مكاسب شخصية عبر شركته "أفريقيا غاز"، التي أصبحت تسيطر على سوق الغاز بالمغرب. في ظل هذا الوضع، تتزايد المطالب بضرورة تحقيق شفاف واستقلالي للوقوف على مدى استغلال النفوذ وتضارب المصالح، وضمان عدم استخدام منصب حكومي لتحقيق مكاسب اقتصادية خاصة، وضمان استغلال مقدرات المغرب لصالح الشعب المغربي، وليس لخدمة مصالح خاصة.
تعليقات
إرسال تعليق