أكد محمد الطوزي، الأستاذ الباحث في علم الاجتماع والعلوم السياسية، أنه حان وقت بدء عملية إعادة الإعمار في منطقة الحوز، بعد الإجراءات الطارئة التي تم تنفيذها بسرعة، “وهي مرحلة تكشف عن عن صعوبات تواجه السلطات في جمع مختلف الجهات التي تنتمي إلى ثقافات مختلفة”، يضيف الطوزي، في عمود نشره بمجلة جون أفريك.
أوضح الباحث المغربي، أن الزلزال الذي ضرب منطقة الأطلي الكبير الغربي في ليلة 8 و9 من شتنبر، كشف عن بعض العيوب، خصوصا فيما يتعلق بمعايير البناء والثقافة السياسية والتفاوتات.
واستدرك قائلا: “لكن هذه الكارثة كشفت أيضا العديد من الحقائق، تبرز الهيئات القائمة كمؤسسات متجاوبة ومتمكنة، ومجتمع مدني قوي. كما كانت فرصة لإظهار السيادة والتضامن، التي كان من الصعب فهمها في الخارج”.
التقنوقراطيون، بين الجهل والازدراء
وتابع الطوزي مفككا العيوب التي عرّاها الزلزال، قائلا: “هذا الزلزال المغربي كشف أيضا عن عدم معرفة حقيقية بواقع العالم القروي؛ لقد طرح بعض المسؤولين على أنفسهم أسئلة سخيفة تجمع بين الجهل والازدراء. لقد شككوا في عقلانية العيش على ارتفاعات في مناطق لا يمكن الوصول إليها بسياراتهم ومكلفة بالنسبة للبنية التحتية.”
وأضاف الباحث، في المجلة الباريسية، بأن هؤلاء، وصل بهم الحد إلى اقتراح تجميع العائلات المتضررة في مخيمات في انتظار نقلها إلى مواقع جديدة. وكانت مقاومة السكان لفكرة الابتعاد عن منازلهم حتى مؤقتا، وبلاغ الديوان الملكي “الذي أكد على أهمية الاستماع المستمر للسكان المحليين”، حججا للمتخصصين في الشؤون القروية (علماء الاجتماع والجغرافيين والمهندسين المعماريين) لردع بعض التقنوقراطيين وتغيير وجهة نظرهم.
وأكد الطوزي أنه بعد الإجراءات الطارئة التي تم تنفيذها بشكل جيد، حان الوقت لبدء عملية الإعمار. وقال: “هذه المرحلة التي تندرج في إطار السياسات العامة تكشف عن حدود وعثرات عمل الدولة وصعوبتها في “تنفيذ” في إطار مؤسسي محدد وجمع مختلف الجهات ذات الثقافات المختلفة معًا: المهندسين المعماريين والمهندسين وموظفي السلطة والمنتخبين والمجتمع المدني.”
الضرورات الأمنية
أفاد الباحث أن التأخير في إنشاء وكالة لتنمية الجبال العالية يترك المجال للتدخلات القطاعية التي تتبع منطقًا وثقافات عمل محددة. ويتعرض المسؤولون في المناطق المتضررة من الزلزال وخدمات الدولة اللامركزية المسؤولة عن المناطق لضغوط.
وتابع قائلا: “إن مفهومهم للأداء والكفاءة تحكمه الضرورات الأمنية، خاصة وأنهم تحت وطأة ضغط الرأي العام حيث تجمع شبكات التواصل الاجتماعي بين التمثيل الدرامي والأخبار المزيفة لتعزيز نموذج اقتصادي يعتمد على عدد الإعجابات.”
ونتيجة لذلك، تتخلى الإدارات عن تخصيص الوقت الكافي لمعالجة كل حالة على حدة والتشاور مع السكان المعنيين، وفقا لما جاء في المقال.
وأكد أن إعادة الإعمار تتحدى المهندسين المعماريين. مضيفا: “إن الأشخاص الأكثر حساسية للبعد الثقافي لمهنتهم والمسلحين بالميثاق المعماري الذي حدده خطاب الحسن الثاني الشهير في 14 يناير 1986، والذي أصبح منذ ذلك الحين يوما وطنيا، غير قادرين على تحقيق رؤيتهم.”
وأوضح أن المهندسين يناصرون عنصر الجمالية والمقاومة للزلازل وفقا لأساليب البناء القديمة في الأرض أو الحجر المحلي، “لكن التكنوقراط يعتبرونها قديمة وغير موثوقة” على حد تعبير الطوزي.
وفي تحد للقضايا النظامية، تتعامل السلطات المسؤولة عن إعادة الإعمار مع القضية كما لو كانت تتعلق بإعادة إسكان الأفراد في أسرع وقت ممكن. كما أشار الباحث قوله: “نميل في أغلب الأحيان إلى المضي قدما في خطة قياسية لا تأخذ في الاعتبار النشاط الزراعي الرعوي والتغيرات المورفولوجية الجارية.”
التوفيق بين التقاليد والحداثة
وقال الباحث محمد الطوزي إن “جبال الأطلس الكبير في المغرب تعتبر مصدرا للموارد الاستراتيجية، حيث توفر الزراعات العائلية الصغيرة المنتشرة في الجبال تغذية ذاتية بالحبوب وتزويد المدن والمراكز الصغيرة بلحوم الأغنام والماعز والفواكه الجافة بالإضافة إلى المياه”.
وأشار إلى أن “الجبال تعتبر أيضا مصدرا للخبرات في الهندسة الاجتماعية، حيث تعزز قوة المجتمعات المشكّلة من قبل بيئة معادية مهاراتها في الإدارة الجماعية وصنع القرارات والتكيف وإدارة الصراعات”.
وأضاف قائلا “إن عملية إعادة الإعمار فرصة حقيقية للاستفادة من هذه الخبرات ووضع طريقنا الخاص نحو الحداثة”.
وشدد الطوزي على ضرورة “توجيه الجهود نحو بناء القرى، حيث تحتوي القرى على جميع سمات المدينة من الناحية السياسية، إذ لا يصبح واقعا اجتماعيا سياسيا إلا عندما يتوفر على بعض المرافق التي يديرها جمعيات منازل العائلات المجتمعة في مجلس (جمعية تقليدية لرؤساء الأسر) والتي تدير الأراضي الجماعية وشبكات الري والمسجد”.
وأشار إلى أن “هناك أكثر من 47 ألف موقع للعيش يجمع بين الإدارة التقليدية في إطار المجمع (الجمعية التقليدية لرؤساء الأسر) التي تدير الأراضي الجماعية وشبكات الري والمسجد، بالإضافة إلى التجمعات الجديدة التي يديرها الشباب المتعلمون والذين يتنقلون بين المدينة والريف ويعتنون بالمياه الصالحة للشرب وتنظيم ملاعب كرة القدم أو التعامل مع الممولين الأجانب”.
وأكد الطوزي على أن “عملية إعادة الإعمار تشمل استعادة هذا النظام البيئي المعقد دون تجاهل التحولات الجارية، مثل تراجع التضامن الاجتماعي والتغيير في أساليب الاستغلال نتيجة لنقص القوى العاملة بسبب تعليم الأولاد والبنات وجذبهم للعمل في المدن”.
وأضاف قائلا “إن تربية الماشية البسيطة أو بناء الأسطح المدرجة مكلفة جدا، وأصبحت مشقة جلب الماء والحطب غير مقبولة الآن”.
وختم قائلاً “إن الارتباط بالأرض لا يزال حاضرا، وبالإضافة إلى ذلك، فإن عودة السكان ممكنة إذا ما أخذنا في الاعتبار الدين الوطني تجاه هذه الشعوب وإعادة تأهيل الأراضي بما يتماشى مع حداثة متصالحة، حيث يصبح شعب الأطلس الكبير راية لرؤية عالمية مسؤولة بيئيا”.
تعليقات
إرسال تعليق