رجاء خيرات
مراكش ـ تسعى جمعية "أفولكي للنساء" إلى تعزيز قدرات نساء إقليم الحوز بالمغرب وتمكينهن اقتصادياً وتعزيز دورهن في المجتمع، انطلاقاً من برامج محو الأمية إلى مشاريع التنمية.
منذ تأسيسها عام 1999 تسعى جمعية "أفولكي للنساء" للنهوض بواقع النساء القرويات في إقليم الحوز بمدينة مراكش المغربية من خلال العمل والتحفيز والتكوين، حيث تقول الناشطة الحقوقية ورئيسة الجمعية زهراء إد علي "في البداية عملنا على محو الأمية في صفوف القرويات، ثم أدركنا أن تمكينهن اقتصادياً الحل الكفيل بإخراجهن من عزلتهن وتشجيعهن على تطوير قدراتهن من أجل تحقيق استقلاليتهن المادية".
وعن انطلاقة الجمعية قالت "هذه المهمة لم تكن سهلة في البداية، احتاجت للكثير من الصبر والمثابرة لإنجاحها، خاصةً أن القرويات تم إقناعهن لوقت طويل أن أدوارهن تقتصر على المكوث في البيوت ورعاية الأطفال والقيام ببعض المهام التقليدية، لكن مع فتح أبواب كثيرة للتواصل منها دروس محو الأمية، استطعنا داخل الجمعية أن نبرز لهن أهمية التمكين الاقتصادي من خلال افتتاح مشاريع مدرة للدخل، وهو ما غير كلياً نظرتهن للأدوار التي يمكن أن تلعبنها داخل أسرهن، فمن خلال دروس محو الأمية كانت المؤطرات داخل الجمعية تشجعن النساء على المشاركة بورشات التدريب في مختلف المجالات، لتعزيز قدراتهن وتحفيزهن على تطوير المهارات التي اكتسبنها في بعض الصناعات التقليدية، أو حتى في مجال الفلاحة وتربية الدواجن".
وأكدت زهراء إد علي أن تقديم الدعم المادي والمساعدات الإنسانية لنساء إقليم الحوز بسبب الهشاشة والفقر ليس البديل الكافي لخلق تنمية حقيقية وإدماج النساء فيها، فحتى خلال الفترة التي أعقبت كارثة الزلزال الذي ضرب المنطقة في أيلول/سبتمبر 2023، التي عرفت تدفقاً غير مسبوق للمساعدات الإنسانية، فقد أدركت النساء أنه في ظل غياب التنمية المحلية الحقيقية، يصعب تجاوز الكارثة وما أعقبها من أزمة خانقة تمثلت بفقدان السكن وفرص العمل.
وبشأن التكوين والتأطير الذي تقدمه الجمعية للنساء، قالت "عملنا على تأسيس ما يفوق عن 800 جمعية وتعاونية، استطعنا أن نصل لهذا العدد بفضل تأطير وتكوين أبناء وبنات الإقليم الذين بدورهم حرصوا على تأسيس جمعيات محلية تساهم اليوم بشكل فعال في التنمية المحلية للمناطق التي يقطنون فيها، والتي وفرت متطلبات ساكنيها الأساسية من تعليم الأطفال وتوفير المياه الصالحة للشرب وتعبيد الطرق وغيرها".
ولفتت إلى أن الجمعية منذ نشأتها تسعى لتعزيز قدرات النساء وتمكينهن اقتصادياً، "لم يكن ذلك ممكناً لولا الثقة التي بنيناها مع النساء، أذكر أننا في البداية عندما كنا نقوم بزيارة القرى الجبلية، كنا نجتمع مع رجال القرية فقط، في حين تغيب النساء عنها وتكتفين بوضع الطعام والشراب لنا خلف الأبواب، لكن مع مرور الوقت تفاجأنا بمشاركة النساء في استقبالنا بنسبة تفوق مشاركة الرجال أحياناً، وهو ما شجعنا للمضي قدماً نحو تحقيق الأهداف التي وضعناها نصب أعيننا، وأهمها إخراج القرويات من عزلتهن وتشجيعهن على تطوير مهاراتهن وتحويلها إلى مشاريع مدرة للدخل".
وأضافت زهراء إد علي أنه بفضل دروس التوعية التي كانت تعطيها مؤطرات الجمعية استطعن أن تتجاوزن سقف دروس محو الأمية نحو آفاق أوسع وأشمل تهدف بالأساس إلى إشراك النساء في التنمية المحلية، عبر التفكير المشترك ووضع الأولويات وتحديد الاحتياجات الأساسية، ثم وضع البرامج لتحقيقها.
وترى أن الباب الرئيسي لتحقيق التنمية هو التعليم، لذلك شجعت الفتيات على التعليم، وأنشأت أول دار سنة 2001 بمدينة تحناوت عاصمة الإقليم لاستقبال الفتيات القادمات من المناطق القروية البعيدة واللواتي أجبرن على ترك الدراسة بسبب بعد المؤسسات التعليمية الإعدادية والثانوية عن مكان إقامتهن، لتجبرن على الزواج بسن مبكر أو التوجه للعمل كخادمات في البيوت، مؤكدةً أن "الفتيات كن ترافقن أمهاتهن أثناء حضورهن دروس محو الأمية في جمعية "أفولكي للنساء"، وهو ما دفعنا للتفكير بسبب عدم التحاقهن بالمدرسة، وتوصلنا لحقيقة قاسية مفادها أنه إما أنهن لم تلجن المدارس في الأساس أو أنهن انقطعن في مراحل مبكرة، فجاءت فكرة إنشاء دار لاستقبال الفتيات القادمات من المناطق البعيدة وتوفير المأوى لهن حتى تتمكن من متابعة تعليمهن، ليرتفع عدد الدور بإقليم الحوز إلى ما يفوق الخمسين دار، توفر المأوى والتغذية وحتى الدعم لهن في المراحل العليا من تعليمهن".
واعتبرت أن هذه الاستراتيجية تعد من بين أهم الوسائل التي تم اعتمادها في الإقليم من أجل وضع حد للتسرب المدرسي في صفوف الفتيات وظاهرة تزويج القاصرات بالمنطقة، لافتةً إلى أنه في دروس محو الأمية كانت الأمهات تعبرن عن رفضهن تكرار سيناريو حياتهن مع بناتهن، لقد كن ترغبن في أن تكملن تعليمهن وأن تصلن للمراحل العليا كون التعليم مهربهن الوحيد من الزواج المبكر أو العمل في منازل المدينة، وبفضل الشراكات التي أنشأتها الجمعية مع مؤسسات أخرى، استطاعت العديد من الفتيات أن تكملن تعليمهن بجامعة مراكش، على الرغم من أنهن تنحدرن من أسر هشة وفقيرة.
وأضافت أن افتتاح دار الحوز سنة 2004 بمراكش، لاستقبال الفتيات اللواتي حصلن على شهادة البكالوريا لمتابعة دراستهن الجامعية؛ ساعد بشكل كبير، مؤكدةً أن عدد الخريجات بات يفوق المائة طالبة، منهن 30 حصلن على الماستر و30 وصلن لمرحلة الدكتوراه، وذلك بفضل دار الطالبة التي فتحت أبوابها أمام الفتيات اللواتي ترغبن في إتمام دراستهن الجامعية، كما أن نسبة مهمة منهن تلتحقن سنوياً بالجامعة الدولية.
وقد اعتبرت زهراء إد علي أن إنشاء دور الأمومة بالإقليم سنة 2008 شكلت تجربة فريدة، لتتوالى دور الأمومة بعد ذلك وتصل إلى ست دور موزعة على عدد من القرى بإقليم الحوز، وهذه المؤسسات التي تستقبل النساء الحوامل تقدم لهن الخدمات الطبية اللازمة أثناء فترة الحمل وبعدها، وقد استطاعت الحد من نسبة الوفيات في صفوف النساء الحوامل، خاصة اللواتي لا تتمكن من التوجه إلى المستشفيات الإقليمية بسبب الطرق والمسالك الجبلية الوعرة، كما وفرت للنساء ظروف صحية لائقة تلدن فيها.
وأكدت أن "هذا المشروع يعد واحداً من المشاريع التي انخرطت فيها جمعية "أفولكي للنساء"، وساهمت في إنجاح فلسفة التنمية المحلية بإقليم الحوز والتي تظافرت فيها الجهود من قبل مؤسسات حقوقية وتنموية، على أمل أن تكون هناك جهود أكثر خاصة في ظل الظروف التي مر بها الإقليم إثر الزلزال الذي تعرضت له المنطقة، والذي كشف عن احتياجات أخرى للنساء تستوجب عملاً مكثفاً لتحقيقها، خاصة بالنسبة للتعاونيات النسائية (ما يفوق 40 تعاونية نسوية) تحتاج لدعم كبير ومساندة للانخراط في الاقتصاد الاجتماعي التضامني".
ولفتت إلى أن برامج التوعية تبقى غير كافية للنهوض بأوضاع النساء القرويات، حيث ينبغي الاستجابة لمتطلباتهن الاستراتيجية وفق مقاربة تشاركية يتم فيها إشراك سكان إقليم الحوز والمؤسسات النشطة بالسياسات العمومية، والنهوض بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للنساء يبقى هو السبيل الوحيد لانتشالهن من دائرة الفقر والتهميش، ولن يتحقق ذلك إلا بالرفع من قدراتهن وتأهيلهن عبر برامج استراتيجية تراعي خصوصية المنطقة ومؤهلاتها الطبيعية والمجالية، وكذلك الاحتياجات الأساسية لنساء المنطقة من تعليم وصحة وتكوين وتأطير.
وفي ختام حديثها طالبت زهراء إد علي بتقليص الفوارق الاجتماعية وتشجيع إطلاق المشاريع الاستثمارية بالإقليم، وفرض سياسة إشراك أبناء وبنات المنطقة كأولوية قصوى كون الإقليم يتوفر فيه مؤهلات طبيعية مهمة يمكن استثمارها في المجال السياحي، وتقديم الدعم للسكان الذين يعيشون في عزلة تامة ويصعب الوصول إليهم بسهولة وتلبية احتياجاتهم في بعض المناطق، إلى جانب ضرورة تكثيف البرامج التنموية الخاصة بالمرأة القروية حيث أن الدعم الذي تقدمه المبادرة الوطنية للتنمية البشرية يستثني الأشخاص الذين يفوق سنهم ثلاثين عاماً، وهو ما يتعارض مع خطاب التنمية الذي لا يستثني هذه الفئة العمرية، ويجب أن تنسجم الخطابات حول التنمية البشرية مع الاحتياجات التي تفرضها الظروف على النساء، خاصة و أن من تخطت أعمارهن الأربعين سنة هن أكثر خبرة وتجربة لإنجاح المشاريع التي تحتاج للدعم.
تعليقات
إرسال تعليق