التخطي إلى المحتوى الرئيسي

زلزال الحوز .. الإكراهات الجغرافية تفرض بدائل عمرانية جديدة


 

لم تكن مهمة إعادة الإعمار بعد الزلزال الذي ضرب إقليم الحوز سهلة. بين تضاريس جبلية وعرة، وانهيارات أرضية متكررة، وخطر الشعاب المائية، وجدت السلطات نفسها أمام ورش مفتوح لا يهم فقط البناء، بل يشمل إعادة التفكير في بدائل توفر سبل عيش السكان وحمايتهم مستقبلا.

في قلب جماعة “أنكال” الجبلية، دوار “سلامت”، وجد 14 مسكنا طريقهم إلى إعادة التوطين، وذلك بسبب تهديد مباشر تشكله الشعاب المائية على الدوار. “قرار صعب لكنه ضروري”، يقول علي، البالغ من العمر 42 سنة، عامل بناء وأب لأربعة أطفال، في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء.

وبفضل التعاون بين مختلف المتدخلين، استطاع الدوار أن يتحول إلى ورش مفتوح للبناء، رغم الإكراهات المرتبطة بمسطرة تفويت الأراضي. وتجسد انخراط الساكنة بمعية السلطات المحلية في تسارع واضح في وتيرة الإنجاز، مما ساعد على تدارك التأخر المسجل في المراحل الأولى.

وفي هذا السياق، أشار منسق برنامج إعادة البناء وتأهيل المناطق المتضررة جراء الزلزال، حسن إيغيغي، إلى أن دوار “سلامت” كان يصنف ضمن المناطق عالية الخطورة، حيث جرى نقل 28 أسرة منه إلى موقع جديد وآمن.

وأضاف السيد إيغيغي، في تصريح للوكالة، أنه تم تشييد هذا الدوار الجديد وفق تصميم معماري شمولي يضم مرافق وتجهيزات عمومية، مع بلوغ نسبة الأشغال 80 في المائة، على أن تنتهي الأشغال بشكل كامل مع متم شهر يوليوز الجاري.

وذكر بأن السلطات قامت بتصنيف 14 دوارا كمناطق ممنوعة من البناء أو مسموح بها بشروط صارمة، مع نقل أكثر من 724 أسرة متضررة إلى مناطق إيواء جديدة، وذلك نتيجة لمجموعة من المخاطر الجيولوجية أبرزها الانجرافات الأرضية وتساقط الصخور الضخمة من أعالي الجبال، إلى جانب التضاريس الصعبة وصعوبة الولوج إلى هذه المناطق.

وغير بعيد عن “سلامت”، في دوار “آيت اوزكري” التابع لنفس الجماعة، فرضت ظاهرة انجراف التربة نقل 21 مسكنا. السكان الذين كانوا يخشون فقدان أرضهم وذاكرتهم الجماعية، وجدوا في هذه المقاربة حلا لتحقيق الأمان والاستقرار.

أما النموذج الأكثر رمزية في هذا الورش، فيأتي من دوار “تنصغارت” بجماعة آسني الجبلية، حيث جرى نقل الدوار بالكامل إلى موقع جديد، بعد أن أثبتت الدراسات الجيولوجية هشاشة التربة، والخطر المحدق بأي محاولة لإعادة الإعمار فوق نفس الأرض.

في هذا المكان الجديد، يطل الحاج إبراهيم، سبعيني كفيف، من عتبة بيته الجديد، ويقول “كنت أعيش في الظلام، لكن الدعم الذي وصلني أنار حياتي”. منزله القديم انهار كليا، لكنه كان من أوائل المستفيدين، بفضل تصنيفه ضمن الحالات ذات الأولوية.

وتتواصل هذه التجارب في دواوير أخرى، مثل دوار “سيدي احساين” بجماعة أمغراس، حيث اضطر محمد، عامل موسمي، إلى التفكير في مغادرة الدوار بعد أن فقد كل شيء.

يقول محمد في تصريح للوكالة “كنت على وشك الرحيل، لكن دفعات الدعم أعادت لي الأمل”، مضيفا أن “أكثر من 35 مسكنا تم نقلها إلى موقع جديد، بعيدا عن خطر الانهيارات الأرضية التي أصبحت تهدد الحياة اليومية للسكان”.

وفي هذا السياق، استفادت ساكنة إقليم الحوز المتضررة، طبقا للتعليمات الملكية السامية، من المساعدات والإعانات التي تستجيب لحاجياتها الأساسية، بالموازاة مع حصولها شهريا وبصورة منتظمة على الدعم المالي 2.500 درهم، المخصص للكراء والإيواء، بالإضافة إلى 140.000 درهم أو 80.000 درهم حسب الحالة، لإعادة بناء منازلهم.

وبالموازاة مع جهود إعادة إعمار المناطق المتضررة وتعزيز معايير السلامة، أوضح المهندس المكلف بدراسة وتتبع أشغال إعادة بناء المنازل المنهارة جراء زلزال الحوز، الشرقاوي ميناوي، أن “عملية إعادة التوطين تسير وفق مقاربة تنطلق من إعداد التصاميم بالخرسانة المسلحة، مرورا بتتبع مراحل الإنجاز ميدانيا، وصولا إلى تسليم شهادة المطابقة الأصلية وشهادة السكن”.

وأضاف السيد ميناوي، في تصريح مماثل، أن “اختيار المواقع الجديدة يتم بناء على دراسات تقنية دقيقة، ومدى قربها من شبكات الطرق والكهرباء والهاتف. والأهم من ذلك، أن كل البنايات تشيد وفق معايير السلامة وجودة البناء المقاوم للزلازل المعمول بها على الصعيد الوطني”.

وبحسب معطيات صادرة عن عمالة إقليم الحوز، فقد تميز مسار تنزيل برنامج إعادة البناء وتأهيل المناطق المتضررة من الزلزال بـ”حصيلة إيجابية”، رغم كل الصعوبات الميدانية والإكراهات الجغرافية المطروحة، إذ عرف تطورا ملموسا يضمن شروط عيش كريمة للساكنة المتضررة، ويوفر لها السكن في ظروف إنسانية لائقة، تنفيذا للتوجيهات الملكية السامية.

وفي هذا السياق، تقدمت مستويات إنجاز الأشغال على مستوى الجماعات المعنية بالإقليم بصورة ملحوظة، وذلك بنسبة 84 في المائة، حيث انتهى بناء أكثر من 21 ألف و 954 مسكنا، وفق معايير فنية وتقنية عالية، كما تمت إزالة جميع الخيام بشكل نهائي بعد تعويضها بالمنازل الجديدة المعدة للسكن.

وينتظر أن تصل نسبة تقدم الأشغال في غضون الشهرين القادمين إلى أكثر من 90 في المائة، وذلك بعدما تم تنفيذ حلول بديلة للإشكاليات التي كانت مرتبطة بالمساكن المتواجدة في المناطق الوعرة أو المناطق ممنوعة البناء أو تلك التي استلزمت تدابير خاصة، وهو الأمر الذي أدى إلى استئناف أشغال البناء لدى 15 في المائة من الساكنة المتضررة.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

دهسته شاحنة.. مصرع "مقدم" في حادثة سير مروعة بإقليم الحوز

لقي عون سلطة برتبة "مقدم" مصرعه، منتصف اليوم الجمعة 4 يوليوز الجاري، في حادثة سير مروعة وقعت على الطريق الرابطة بين جماعة تمازوزت وجماعة أوريكة بإقليم الحوز. ووفق المعطيات المتوفرة، فإن الهالك الخمسيني، الذي كان يعمل بجماعة إغرفروان التابعة لقيادة أغمات، كان على متن دراجة نارية من نوع "سـ90" قبل أن تصطدم به شاحنة صغيرة في ظروف لا تزال ملابساتها قيد التحقيق. وقد أسفر الاصطدام العنيف عن وفاته في الحين، مخلفًا حالة من الحزن والأسى في صفوف زملائه وساكنة المنطقة. وفور وقوع الحادث، انتقلت عناصر الدرك الملكي والسلطات المحلية إلى عين المكان، حيث تم فتح تحقيق تحت إشراف النيابة العامة المختصة، في وقت نُقلت فيه جثة الضحية إلى مستودع الأموات بآيت أورير قصد إخضاعها للتشريح الطبي. وتعيد هذه الحادثة المؤلمة تسليط الضوء على خطورة بعض المقاطع الطرقية بالإقليم، وضرورة اتخاذ مزيد من التدابير الوقائية لحماية أرواح مستعملي الطريق.

إصابة رئيس جماعة بدائرة أمزميز بجروح خطيرة في حادثة سير مروعة

  علمت الجريدة أن رئيس جماعة ترابية بدائرة أمزميز بإقليم الحوز تعرّض ليلة أمس الثلاثاء فاتح يوليوز الجاري لحادثة سير خطيرة على مشارف مدينة بن جرير، وذلك أثناء قيادته لسيارته الخاصة.  الحادث، الذي وقع خارج تراب الإقليم، خلّف إصابات وُصفت بالخطيرة، استدعت نقله على وجه السرعة إلى إحدى المصحات الخاصة لتلقي العلاجات الضرورية.

جريمة مروعة تهز إقليم الحوز.. عصابة دولية تعذّب ضحيتها وتستولي على 200 مليون سنتيم

اهتزت جماعة أغواطيم بإقليم الحوز، صباح السبت 12 يوليوز 2025، على وقع جريمة شنيعة كشفت عن امتدادات خطيرة لنشاط العصابات الدولية داخل التراب الوطني، وأعادت إلى الواجهة مخاوف المواطنين بشأن تنامي أعمال إجرامية منظمة تتسم بالعنف المفرط. وبحسب مصادر متطابقة، فقد تعرّض شخص داخل فيلا فاخرة للتكبيل والتعذيب بطرق وحشية وصادمة، قبل أن يتم انتزاع مبلغ مالي ضخم يناهز 200 مليون سنتيم، إلى جانب سرقة سيارته الفاخرة. الحادث الذي وقع في منطقة هادئة، خلف حالة من الذهول والغضب وسط الساكنة، وأطلق حالة استنفار أمني غير مسبوق في مراكش ونواحيها. وفور علمها بالواقعة، دخلت عناصر الدرك الملكي على الخط، مدعومة بالفرقة الجهوية للشرطة القضائية، حيث باشرت تحقيقات ميدانية دقيقة منذ الساعات الأولى، خاصة بعد تداول مقطع فيديو يوثق جانبًا من الاعتداء عبر تطبيقات التراسل، ما سرّع من تحركات المصالح الأمنية. المعطيات الأولية تشير إلى أن منفذي الجريمة ليسوا مجرد لصوص عاديين، بل يرجّح أنهم أعضاء في شبكة إجرامية دولية تنشط بين المغرب وأوروبا، وتحديدًا في هولندا، وقد حلّوا بالمغرب خصيصًا لتنفيذ هذه العملية، التي قد تكون ذات صل...

فضيحة.. اعتقال عروس هربت بعد 3 أيام من الزفاف نحو حضن عشيقها الدركي

  في واقعة أثارت جدلاً واسعًا في مدينة شيشاوة، تفجّرت نهاية الأسبوع قضية خيانة زوجية بطلتها شابة عشرينية لم يمض على زواجها سوى أيام معدودة، بعد أن ضبطتها مصالح الأمن في حالة تلبس، بناءً على شكاية عاجلة تقدم بها زوجها لدى الشرطة. التحقيقات كشفت لاحقًا عن تورط محتمل لعنصر من الدرك الملكي في علاقة غير شرعية مع المعنية بالأمر. تعود تفاصيل الحادثة إلى مساء السبت 21 يونيو 2025، حين أبلغ الزوج عن اختفاء زوجته المفاجئ، لتباشر العناصر الأمنية تحرياتها الميدانية. وقد تم تحديد مكان تواجد المعنية داخل أحد المنازل، حيث حاول الشخص المشتبه فيه الفرار عند شعوره باقتراب الشرطة، بينما لجأت الزوجة إلى سطح منزل مجاور محاولةً الاختباء، قبل أن يُبلغ صاحب البيت عن وجودها ويتم توقيفها. وبحسب المعطيات الأولية، فقد اعترفت الزوجة بعلاقتها السابقة بالدركي، مؤكدة أنها تواصلت معه طواعية وغادرت بيت الزوجية على متن دراجته النارية بعد ثلاثة أيام فقط من الزفاف. هذا وقد أمرت النيابة العامة بوضعها رهن الحراسة النظرية، فيما لا يزال الدركي يخضع للاستماع لدى الضابطة القضائية لتحديد مسؤوليته القانونية، في انتظار تقديم ا...

سياسي منتهي الصلاحية بإقليم الحوز.. من منسق حزبي إلى "فيلسوف الصالونات"

في إقليم الحوز، يُصرّ أحد الساسة المحليين على تقديم نفسه كعبقري زمانه، ومنظر تنظيمي من الطراز الرفيع... فقط لأنه كان منسقاً حزبياً ليوم مشمس قبل أن يتكفل الحزب نفسه برميه خارج اللعبة، وكأنهم صحوا فجأة واكتشفوا أن الكرسي أكبر بكثير من المقاس. ورغم غيابه التام عن أي مساهمة فعلية أو ظهور في النقاش العمومي، إلا أن صاحبنا لم يستسلم، بل انتقل بكل “عزيمة” إلى مرحلة التنظير من داخل الصالونات المغلقة، حيث يتفنن في تحليل الواقع وتوزيع “الشواهد الفخرية” على من يستحق ومن لا يستحق، دون أن تطأ قدماه يوماً أرض الميدان. ويقول بعض الظرفاء من المتتبعين إن ظاهرة "السياسي الجالس" من هذا النوع، ممن يتنفسون السياسة كما يتنفس البعض أخبار الطقس، هي بالضبط ما جعل ثقة الناس في الأحزاب تنزل إلى قاع الحوز، في انتظار أن تعود السياسة إلى من يعرف الفرق بين المسؤولية... و"الجلوس الطويل".