بعيدا عن الاتكالية والتقوقع، استطاع الشاب لحسن الزاكي أن ينحت لنفسه مسارا متميزا في مجال الفلاحة، متسلحا بمعرفته العلمية والأكاديمية، وبالصبر والأناة، ما جعله يقود مبادرة “خير مزارعنا لأهالينا”، بعد مسار عرف منعرجات ومطبات ونجاحات، أراد لها أن تكون ملهمة للشباب الحالي والأجيال الصاعدة المدعوة إلى بذل المجهود والإقبال على العمل لتحقيق اندماج اجتماعي ناجح.
فبعد حصوله على شهادة الباكالوريا في مسلك الفيزياء ودبلوم في الأمن المعلوماتي، عاد هذا الشاب ذو 32 سنة إلى رحاب الجامعة ليتوج مساره الدراسي بشهادة ماستر في السياسات العمومية والهندسة المجالية من كلية العلوم الاقتصادية والقانونية بمراكش، لكنه قرر تغيير توجهه بالكامل نحو الفلاحة، خاصة زراعة الزعفران بتلوين بإقليم تارودانت، واستنبات أشجار من آسيا وأمريكا وصبار مقاوم للحشرة القرمزية بإقليم الحوز.
وقال لحسن الزاكي، في حديث لهسبريس، إن غايته مع شبان آخرين يؤمنون بإرادة القوة، هي “ضمان الأمن الغذائي للمغرب وإعادة الاعتبار للبذور الأصلية عوض استيرادها”، لذا فإنه يضع تجربته رهن إشارة أبناء قبيلته وقريته، وكل شاب طموح يرغب في دخول غمار قطاع الفلاحة، لتحقيق الجودة قبل الربح والإخلاص عوض الغش.
ولم يبخل الشاب ذاته، الذي عانق الحياة بقبيلة غجدامة بإقليم الحوز، في تسخير خبرته وكفاءته العلمية والمهنية التي راكمها طوال سنوات من الكد والدراسة ليستفيد منها الغير، موردا في بوح لهسبريس أنه كان منذ صغره ينتقل إلى مدينة أكادير ليشتغل في الفلاحة خلال العطل المدرسية، والآن يسعى إلى توطين فلاحة ضرورية للصناعة الغذائية والصيدلانية، ستساهم في التنمية المستدامة بمنطقة ألفت زراعة معيشية لا تسمن ولا تغني من جوع.
وخلال مرافقتها لهذا الشاب في جولة بمسقط رأسه، حيث توجد مشاتل تجريبية لزراعة الزعفران ونباتات أخرى كفاكهة التنين أسيوي الأصل (الدراغون)، وصبار “ألوي فيرا” (القارة الأمريكية)، والصبار المقاوم للحشرة القرمزية، ونبات المورينجا (Moringa) الهندية، الذي يعد مصنعا طبيعيا لمقاومة الأكسدة ومسببات السرطان (الهند)، لاحظت هسبريس التقدير والاحترام اللذين يحظى بهما لحسن الزاكي في محيطه الاجتماعي بالنظر إلى تفانيه في العمل وتطوعه من أجل الغجدامين.
“حب الأرض والفلاحة هو ما جعلني أستثمر معرفتي الأكاديمية وخبرتي الفلاحية التي تعود جذورها إلى أسرتي وأجدادي الذين كانوا يعتمدون على الزراعة التضامنية، فقررت أن أجمع ما بين كل ذلك للوصول إلى نتيجة ستكون أفضل بإذن الله”، يقول الزاكي وهو يجول بنظراته بين جبال الأطلس الكبير حيث تنتشر حقول زراعية ذات خضرة ناظرة.
ولأنه أحب التميز في كل شيء، فقد اختبر المغامرة في مجالات فلاحية بعيدا عما ألفه أهل قبيلته من زراعة معيشية منذ قرون، يواصل لحسن الزاكي سرد قصته مع النباتات الجديدة التي عزم على غرسها لاستنباتها في الحوز والسراغنة والرحامنة لمعرفة مدى ملاءتها للتربة والمناخ، فكانت النتيجة مذهلة، حيث عاينت هسبريس زراعة الزعفران الذي نما وتكاثرت بصيلاته وقطفت شعيرات منه، والأمر نفسه بالنسبة لنبات المورينجا، أما الصبار فقد أينع بعد سنتين من الزراعة والعناية به بعيدا عن المبيدات ونضجت ثماره في فصل الصيف الماضي.
وبفضل إيمانه بأن الفلاحة أمانة وأن صحة المواطنين بيد الفلاح قبل الطبيب، اتجه الشاب لحسن إلى الفلاحة البيولوجية لتوفير خضروات وفواكه صحية، لكن تكلفة هذه الزراعة باهظة وتعاني من غياب الإمكانيات اللازمة ومحرومة من الدعم، لكن بمجهودات ذاتيه مع شبان آخرين ومستهلكين يحملون الهم نفسه، استطاع ضمان الوجود لهذا النوع من الزراعة، ودفعته هذه المعضلات إلى التفكير في إدخال مزروعات جديدة.
“ولأنني أومن بإرادة القوة وأن كل شيء ممكن، بعدما تحررت من فكرة المستحيل التي تعشعش في عقول شباب اليوم، قررت خوض هذه التجربة، من خلال حقل تجارب بالجماعة التي شكلت مسقط رأسي، فقمت بزراعة نباتات لا تحتاج إلى مياه كثيرة للسقي، كنبات المورينجا، وفاكهة التنين، ونبتة الألوفيرا التي تحضر بقوة في مجال صحة وجمال المرأة والرجل، ونجحت في هذه التجربة، لأن شعيرات للزعفران بزغت بهذا الحقل وتمكنت من إنتاج بصل يشكل جذورا لهذه الزراعة”، يقول لحسن الزاكي.
ورغم أن طريقه لم يكن مفروشا بالورود، إلا أن هذا الشاب انتصر بفضل عزيمته القوية وحبه للعمل والجد والمثابرة، وهذا ما يتضح من عزمه على متابعة دراسته الجامعية للحصول على الدكتوراه.
وقد عبر عن استعداده لتقديم خبرته ومعرفته بهذا المجال لكل الفلاحين من أبناء منطقته وإقليم الحوز، وغيرهم، مؤكدا استعداده لمساعدتهم في اكتساب قواعد هذه الزراعة التي لا تحتاج سوى إلى مجهود ومياه قليلة، من أجل تجويد حياتهم والاستقرار بمسقط رأسهم.
وعن الإكراهات والمعيقات التي تواجه مجهوداته وشبان آخرين يؤمنون بالتحدي وخوض المغامرة من أجل زراعة غذائية صحية أضحت ضرورة في ظل الموجات المتواصلة لوباء “كوفيد-19” الذي علمنا أن الجسم القوي يملك مناعة ضد كل المتحورات المستقبلية، يقول الزاكي إن تكلفة زراعة هكتار واحد من فاكهة التنين تبلغ حوالي 1.4 مليون درهم، وهذا الغلاف المالي يحتاج إلى دعم الدولة.
ويطمح هذا الشاب وزملاؤه أن يعيدوا للصبار مكانته من خلال التكاثر لتعويض المساحات الكبيرة التي دمرتها الحشرة القرمزية، لأنه يشكل مصدر رزق للفلاح البسيط؛ إذ يبيع فاكهته ويستعمله في طهي غذائه ويقدمه علفا لمواشيه، كما يأمل أن تسترجع البذور الأصلية مكانتها أمام البذور الهجينة.
هسبريس
تعليقات
إرسال تعليق