التخطي إلى المحتوى الرئيسي

ضحايا زلزال الحوز… بين أنقاض البيوت وأنقاض الوعود



عبد الحكيم العياط

 بعد مرور قرابة عامينعلى الزلزال المدمر الذي ضرب إقليم الحوز والمناطق المجاورة له، لا تزال مشاهد الألم والمعاناة حية في ذاكرة الناجين الذين فقدوا أحباءهم ومنازلهم وموارد رزقهم. وبينما كانت التوقعات تشير إلى تعبئة شاملة من الدولة لإعادة الإعمار وتحقيق العدالة المجالية، يجد العديد من الضحايا أنفسهم عالقين بين خيبات الانتظار وصعوبة الحياة في خيام لا تصلح لا للعيش الكريم ولا لمواجهة تقلبات الطبيعة القاسية.

الزلزال الذي بلغت قوته 6.8 درجات على سلم ريشتر أودى بحياة ما لا يقل عن 2960 شخصا وخلف آلاف الجرحى والمشردين، كما دمر بشكل كلي أو جزئي أزيد من أربعين ألف مسكن موزع على أكثر من ألفي قرية، مما جعله أقوى زلزال يضرب المغرب منذ قرن. الحكومة أعلنت، في خضم الهول الجماعي، عن إطلاق برنامج ضخم لإعادة الإعمار بقيمة 120 مليار درهم، تشمل تعويضات مباشرة للسكان، وإعادة بناء المساكن، وتطوير البنية التحتية، ودعم الفلاحة المحلية، وتحفيز الأنشطة الاقتصادية. لكن الواقع على الأرض لا يوازي هذه الأرقام الكبيرة.

في هذا السياق، لا بد من التذكير بأن مقاربة “الدعم النقدي المباشر” ليست كافية في حد ذاتها إذا لم ترافقها هندسة اجتماعية مواكِبة تضمن الاستقرار السكني والنفسي للساكنة. فالعديد من الأسر التي توصلت بمبالغ الدعم وجدت نفسها عاجزة عن توظيفها بسبب غياب مواكبة هندسية وقانونية ومجتمعية، وهو ما فتح المجال أمام تدخلات وسطاء ومضاربين عقاريين، في غياب واضح للدولة في لحظة كان يفترض أن تكون حاضرة بقوة.

من جانب آخر، لا يمكن إغفال ما كشفته هذه الكارثة الطبيعية من هشاشة في البنية الصحية المحلية. ففي المناطق المتضررة، تبيّن أن البنيات الصحية إما دُمّرت كلياً، أو كانت غير مجهزة أصلاً، مما دفع بوزارة الصحة إلى إطلاق وحدات متنقلة بشكل استعجالي. غير أن هذه المبادرة، رغم رمزيتها الإيجابية، بقيت محدودة الأثر بفعل ضعف الموارد البشرية ونقص في التنسيق مع السلطات الترابية والمجتمع المدني، الأمر الذي عمق شعور الضحايا بالتهميش.

كما أن البعد النفسي للكارثة لم يُولَ العناية الكافية رغم خطورته، خصوصاً بالنسبة للأطفال والنساء. فالدعم النفسي كان مناسباتياً، واستند إلى تدخلات محدودة لجمعيات دون إطار مؤسساتي دائم، في وقت يحتاج فيه السكان إلى برامج نفسية مستدامة مدمجة في السياسات الصحية والاجتماعية. فإعادة البناء لا تعني فقط إقامة جدران جديدة، بل تتطلب أيضاً ترميم الإنسان الذي تعرض للانكسار والحرمان في لحظة فقدان جماعية.

فبالرغم من توزيع تعويضات مالية بقيمة 140 ألف درهم للمنازل المنهارة و80 ألف درهم للمنازل المتضررة جزئيا، وتخصيص دعم شهري بقيمة 2500 درهم للأسر المتضررة، إلا أن نسبة كبيرة من المستفيدين وجدوا أنفسهم غير قادرين على الشروع في البناء، إما بسبب تعقيدات إدارية متعلقة بالحصول على الرخص، أو مشاكل في ملكية الأرض، أو ببساطة لأن مبالغ الدعم لا تغطي كلفة البناء في مناطق جبلية وعرة تعرف ارتفاعا في أسعار المواد والخدمات. ومما يزيد من تعقيد الوضع، الارتباك في اللوائح المحلية وعدم ضبط معايير الاستفادة، ما فتح الباب أمام احتجاجات عديدة واتهامات بالزبونية والفساد.

المشهد أكثر مأساوية في القرى النائية حيث ما تزال مئات الأسر تعيش في خيام من البلاستيك البالي، لا تقي من حر الصيف ولا برد الشتاء. الأطفال حرموا من التمدرس لأسابيع طويلة، والنساء يواجهن تحديات يومية في ظروف لا تتوفر فيها أبسط مقومات الصحة والكرامة. الخدمات الصحية التي وعدت بها الدولة من خلال مراكز متنقلة وفرق طبية لم تصل بعد إلى جميع المناطق، بينما يعاني المصابون بأمراض مزمنة أو نفسية من غياب المتابعة والرعاية الضروريتين.

إن ما يعيشه ضحايا زلزال الحوز اليوم ليس فقط مأساة إنسانية، بل هو امتحان حقيقي لنجاعة السياسات العمومية وقدرتها على التفاعل مع الأزمات بشكل فعّال وعادل. الدولة، بمختلف مستوياتها، مطالبة بإعادة النظر في طريقة تدبير هذا الملف، والقطع مع المقاربة المركزية البيروقراطية، وإشراك الساكنة والمجتمع المدني المحلي في كل مراحل القرار والتنفيذ. فلا يكفي إعلان الأرقام من الرباط، بل المطلوب ضمان أثر فعلي على الأرض، يحول المعاناة إلى أمل، والدمار إلى فرصة لبناء جديد ينصف الضحايا، لا أن يحوّلهم إلى مجرد أرقام منسية في تقارير رسمية.

إن انتقال ملف زلزال الحوز من مرحلة التدبير الاستعجالي إلى الإعمار الدائم يفرض نهجا جديدا يقوم على الشفافية، والمسؤولية المشتركة، والإنصات الحقيقي. ذلك أن العدالة لا تكتمل بتوزيع الأموال فقط، بل بترميم الثقة المهددة بين المواطن والدولة، وضمان كرامة العيش قبل بناء الجدران. فهل نعيد البناء فعلا؟ أم سنبني مجددا بؤرا جديدة للتهميش؟ 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

عامل إقليم الحوز يوقف رئيس بلدية أمزميز ونائبه الثاني ويحيل ملفهما إلى المحكمة الإدارية لعزلهما

 دخل ملف علال الباشا رئيس جماعة أمزميز ونائبه عبد الغني وحمان المنتميان لحزب التجمع الوطني للأحرار، مرحلة حاسمة، بعد أن قرر عامل الإقليم مصطفى المعزة توقيفه من مهامه بشكل رسمي بالتزامن مع تقدمه بطلب إلى المحكمة الإدارية بمراكش يقضي بعزل الباشا ووحمان من منصبهما، وذلك بناءً على ملف ثقيل أعدته المفتشية العامة للإدارة الترابية (IGAT) في عدة مجالات مرتبطة بالتدبير الجماعي.   وحددت المحكمة الإدارية في مراكش جلسة بتاريخ الثلاثاء 9 دجنبر 2025 للنظر في ملف عزل الرئيس علال الباش ونائبه الثاني عبد الغني وحمان، الذي يستند إلى المادة 64 من القانون التنظيمي رقم 113.14، والمتعلق بمسطرة العزل في حالات الإخلال الخطير بقواعد الحكامة وتدبير الشأن المحلي.

هذا ما قررته محكمة الإستئناف في حق محمد أمكيزو رئيس جماعة مولاي إبراهيم

قررت محكمة الاستئناف بمراكش، اليوم الخميس رابع دجنبر الجاري، تأجيل محاكمة محمد أمكيزو، رئيس جماعة مولاي إبراهيم، ومن معه، إلى غاية 25 دجنبر الجاري، وذلك من أجل منح هيئة الدفاع مزيداً من الوقت للاطلاع على تفاصيل الملف وتقديم دفوعاتها. وجاء التأجيل في سياق الجلسات الاستئنافية المتعلقة بالقضية التي تواصل إثارة اهتمام المتتبعين المحليين. وكان أمكيزو قد استفاد من حكم البراءة ابتدائياً، بعدما قضت غرفة الجنايات الابتدائية المكلفة بجرائم الأموال بتاريخ 20 يونيو الماضي ببراءته من التهم التي كان متابعاً بها، والمتعلقة بجنايتي تبديد واختلاس أموال عامة ومنقولة موضوعة تحت يده بمقتضى وظيفته. وقد جاء هذا الحكم بعد مسار طويل من التحقيق التفصيلي الذي باشره قاضي التحقيق بناء على ملتمس الوكيل العام للملك. وتنتظر ساكنة جماعة مولاي إبراهيم، ومعها الرأي العام المحلي، ما ستؤول إليه الجلسة المقبلة بتاريخ 25 دجنبر الجاري، والتي من المرتقب أن تكون حاسمة في تحديد المآل القضائي للملف. وبين البراءة الابتدائية والمسار الاستئنافي، يظل الملف مفتوحاً على جميع الاحتمالات، في انتظار كلمة القضاء التي ستضع حداً للجدل الذ...

توقيف مُضرم النار في سيارتين تابعتين لعنصرين للدرك الملكي بأمزميز

  تمكنت مصالح الدرك الملكي بأمزميز، اليوم الثلاثاء ثاني دجنبر، من وضع حد لحالة الاستنفار التي عاشتها المنطقة خلال الأيام الماضية، بعد إيقاف الشخص المشتبه في تورطه في عمليتي إضرام النار في سيارتين تابعتين لعناصر الدرك الملكي داخل تجزئة الأطلس بجماعة أمزميز بإقليم الحوز. وكانت التجزئة قد اهتزت فجر السبت الماضي على وقع اعتداء جديد استهدف هذه المرة سيارة دركية تقيم بالحي نفسه، وذلك بعد أيام قليلة فقط من حادث مشابه طال سيارة دركي آخر. وقد وثّقت كاميرات المراقبة بالشارع العام لحظة إقدام شخص ملثم على سكب مادة سريعة الاشتعال وإضرام النار قبل الفرار نحو وجهة مجهولة، في مشهد خلق حالة من القلق وسط الساكنة. وفور وقوع الحادث الثاني، أطلقت القيادة الإقليمية للدرك الملكي بالحوز تحقيقاً موسعاً، اعتمد على تحليل تسجيلات الكاميرات وجمع المعطيات التقنية والميدانية، ما أسفر في النهاية عن تحديد هوية الجاني وتوقيفه صباح اليوم. وتحاول المصالح المختصة حالياً فك لغز الدوافع الحقيقية وراء هذه الأفعال الخطيرة، التي استهدفت بشكل مباشر أجهزة الأمن، في وقت تتواصل فيه التحريات للكشف عن أي ارتباطات محتملة أو جهات ...

بعدما أحال العامل ملفهما للعدالة بهدف عزلهما.. هذا ما قررته المحكمة الإبتدائية في حق رئيس جماعة أمزميز ونائبه الرابع

  قررت شعبة القضاء الشامل والإلغاء بالمحكمة الإدارية الابتدائية بمراكش، زوال اليوم الثلاثاء 9 دجنبر 2025، إرجاء البت في ملف عزل رئيس جماعة أمزميز، علال الباشا، ونائبه الثاني عبد الغني وحمان، المنتميين لحزب التجمع الوطني للأحرار، إلى غاية 16 من الشهر الجاري، وذلك قصد تمكين جميع الأطراف من استكمال إعداد دفوعاتهم. ويأتي طلب العزل استنادا إلى تقرير أنجزته المفتشية العامة للإدارة الترابية، تضمن رصد جملة من الاختلالات المرتبطة بتدبير الشأن المحلي داخل الجماعة، فضلا عن الاعتماد على مقتضيات المادة 64 من القانون التنظيمي رقم 113.14، التي تنظم مسطرة العزل في حالات الإخلال الخطير بقواعد الحكامة والتسيير. وكانت السلطات الإقليمية قد قررت في وقت سابق توقيف رئيس الجماعة ونائبه عن مزاولة مهامهما، قبل إحالة الملف على أنظار المحكمة الإدارية المختصة قصد البت فيه، وذلك في سياق الحرص على احترام المساطر القانونية وتكريس مبادئ الحكامة الجيدة في تدبير الشأن الجماعي.

انطلاق الجلسة الثانية من اجتماعات تسريع إنجاز الأسواق النموذجية بإقليم الحوز + صور

انطلقت قبل قليل من صباح يومه الثلاثاء ثاني دجنبر الجاري، الجلسة الثانية من الاجتماعات المخصصة لتسريع إنجاز الأسواق النموذجية بعدد من الجماعات، وذلك برئاسة الكاتب لعمالة إقليم الحوز،، وبحضور رؤساء الجماعات الترابية المعنية وممثلي المصالح الخارجية والهيئات المهنية المرتبطة بالقطاع التجاري. وتندرج هذه الاجتماعات ضمن الدينامية التي يشرف عليها عامل الإقليم مصطفى المعزّة لتسريع وتيرة المشاريع الرامية إلى تنظيم التجارة وتحسين ظروف اشتغال الباعة. وتأتي هذه الجلسة في إطار التنسيق مستمر بين السلطات الإقليمية برئاسة العامل المعزة والجماعات ورؤساء المصالح المعنية، بهدف بلورة نموذج جديد للتنظيم التجاري، وتوفير فضاءات حديثة وآمنة تستجيب لحاجيات الساكنة. ومن المنتظر عقد جلسات إضافية مستقبلا لمتابعة التقدم المحقق وتسريع وتيرة الأشغال إلى حين افتتاح الأسواق في أقرب الآجال.