أغمات – سعيد السُبكي
انطلقت قبيل ظهر يوم الثلاثاء 22 ديسمبر 2021 من حي ” سيدي يُوسُف بن علي ” بحافلة عامة رَقَم 6 إلى وَسَط مدينة مراكش، ومنها بأخرى تحمل رَقَم 251 وقطعت مسافة تزيد قليلاً عن 30 كيلومتر من مراكش الى أغمات فى مُدة ساعة تقريباً . . وكلي شوق لزيارة مرقد المعتمد بن عباد وزوجته اعتماد الرميكية في داخل ضريحهما . . لأرى بأم عيني المكان وأختصر الزمن . . للقاء رُجل ذو شخصية تاريخية لها بصمات حفرت فى عقول المؤرخين والكُتاب من مشارق الأرض ومغاربها . . منذ بداية رحلتي ظل سؤال يتردد صداه في رأسي ويتكرر: كيف سيكون اللقاء بثالث وآخر ملوك بني عبَّاد في الأندلس؟ . . ليس لدي إجابة . . على الأقل وأنا فى الطريق إلى أغمات . . المدينة التاريخية التي زحف إليها المرابطون من الصحراء.وأنا أنظر من نوافذ الحافلة يميناً ويساراً شاهدت بقايا بانورامية على طول الطريق، حيث مجموعات الجمال التي أعتقد ان بعض أصحابها بزيهم التقليدي يستخدموها لأغراض سياحية، فهل يا تُرَى هي سلالات ذات الجمال التي ركبها الملثمون المرابطين من الصحراء ليحكموا مُعظم بلاد الغرب ؟! في تنقلاتهم وحروبهم، قبل نحو ألف عام، . . أعتقد ذلك . . فى حين أن كثير من الأحوال عبر الزمن تبدلت، لكن آثار التاريخ باقية تحكيها رمال الصحراء.
استرعى انتباهي على الجانب الأيمن من الطريق في أثناء ذهابي مجموعة من الجمال بعضها برك على الأرض وأخرى واقفة في شموخ أمام خيمة كبيرة جعلها صاحبها بمثابة استراحة للمُسافرين، وبسؤال – أحد الرُكاب بجانبي الذي عرفت منه انه يُسافر يومياً من مدينة مراكش إلى أغمات لمزرعة شتلات فواكه يملكها هناك – عن تلك الخيمة استفسرت منه فقال لي: ” ان صاحبها يُعد الأطعمة والمشروبات بالطريقة التقليدية القديمة ويكاد لا يتربح مما يُقدمه للعابرين إلا دراهم قليلة.
نزلت من الحافلة فى نهاية خط 251 حيث أغمات،وما ان تفحصت المكان وجدتها لأول وهلة لا هي بالقرية ولا بالمدينة العصرية، توليفة تجمع مدخل قرية أغمات
بين الأثنين ولكن لها طابع خاص تلمسته برؤية : مطاعم متواضعة لشواء اللحوم يجلس على كراسيها البلاستيكية بُسطاء عرفت انهم عُمال وحرفيين يأتون يومياً من مراكش وضواحيها للعمل في بعض المزارع والوديان وورش تصنيع الأبواب الحديدية والشبابيك، يجلسون وأمامهم الخبز المغربي واللحم المشوي والـ ” آتاي ” الشاي الذى تكاد لا تخلو منه مائدة طعام مغربية، وبعض الماشية تحمل الأعلاف تسير الى جانب شباب يركبوا دراجات هوائية حديثة ” ماوتن بايك “.
سرت فى الشارع المؤدي الى وجهتي الأساسية ضريح المعتمد بن عباد حيث المسافة من محطة الحافلات الى هناك حوالي 750 متر، وبينما أنا فى الطريق لفت نظري لوحة كبيرة الحجم مكتوب عليها حزب الاستقلال، ولم أرى في أغمات مقرات لأحزاب أخرى أو أى معالم سياسية أخرى بإستثناء مبنى بلدية أغمات والذي يُسمى بالدارجة المغربية ” جماعة أغمات ” ، وقد عرفت سبب تواجد مقر حزب الاستقلال في أغمات الصغيرة.
وبتقصي المعلومات بلغني ان حزب الاستقلال هو حزب سياسي مغربي يميني محافظ تأسس سنة 1944 ، هو أول حزب سياسي مغربي تأسس للحصول على استقلال المغرب
تذكر المعلومات الرسمية ان أغمات هي قرية مغربية تاريخية عريقة تقع جنوب وسط المغرب بالقرب من مراكش بها ضريح المعتمد بن عباد الذي قضى بها بقية أيام عمره هو وزوجته مأسورا بها ، وتضم هذه الجماعة القروية حوالي 23 الف نسمة، وتنتمي لإقليم الحوز، وبعد وفاة إدريس الثاني في عام 828 ، تم تقسيم الدولة بين أبنائه وأصبحت أغمات عاصمة منطقة سوس تحت حكم الأمير الإدريسي عبد الله.
تعدّ مدينة أغمات الأثرية من أهم شواهد المغرب الإسلامي خلال العصر الوسيط الأعلى، إذ يصفها الجغرافيون العرب كقاعدة إدريسية مزدهرة. وخلال القرن الحادي عشر، وصفها الجغرافي أبو عبيد البكري بقوله :
«ومدينة أغمات، مدينتان سهليتان إحداهما تسمى أغمات أيلان والأخرى أغمات وريكة… وبها مسكن رئيسهم، وبها ينزل التجار والغرباء، وأغمات أيلان… بلد واسع تسكنه قبائل مصمودة في قصور وديار… وبها أسواق جامعة…»
ونظرا لهذه المكانة المتميزة كعاصمة لإمارة مغراوة وزعيمها لقوت بن يوسف، استقر بها المرابطون أثناء زحفهم نحو المناطق الشمالية ولم يبرحوها إلا بعد اتخاذ قرار تشييد مدينة مراكش سنة 1062م. وهى مقرا لإقامة ونفي ملوك الطوائف على عهد ” يوسف بن تاشفين ” حيث اتخذت أغمات مقرا لإقامة ونفي ملوك الطوائف بعد توحيد بلاد الأندلس، خاصة المعتمد بن عباد ملك اشبيلية، و عبد الله بن بلقين ملك غرناطة.
في سنة 1970 تم بناء ضريح المعتمد بن عباد الذي يحتضن بالإضافة إلى قبره، قبر زوجته اعتماد الرميكية وابنه، والذي يتشكل من قبة مصغرة طبق الأصل للقبة ألمرابطيه بمراكش تزينها بعض الأبيات الشعرية التي نظمها الأمير الشاعر المعتمد بن عباد في رثاء حاله.
ملامح من شخصية ووصف المعتمد بن عباد
قال عنه الإمام الذهبي في كتاب سير أعلام النبلاء: «كان فارساً شجاعاً، عالماً أديباً، ذكياً شاعراً، محسناً جواداً ممدحاً، كبير الشأن، خيراً من أبيه. كان أندى الملوك راحة، وأرحبهم ساحة، كان بابه محطَّ الرحال، وكعبة الآمال». وكذلك وصفه ابن الأبار القضاعي بأنه كان «من الملوك الفضلاء، والشجعان العقلاء، والأجواد الأسخياء المأمونين. عفيف السيف والذيل».
يُوصَف المعتمد بأنه كان شبيهاً إلى حدٍّ كبيرٍ بأبيه أبي عمرو المعتضد، إلا إنَّه كان أقلَّ قسوة وشدة، وقد عرف كلاهما بالقوة والشجاعة والكرم والموهبة بالشعر. وقد كان المعتمد شديد البراعة والموهبة في الشعر والأدب، إلا إنَّه لم يتوسَّع في أي علمٍ من العلوم عدا هذين. وكان يقضي معظم وقته إما في مجالسة الشعراء أو مع جواريه الكثيرات، وكان يغدق عليهم الكثير من الأموال، ويكنّ لهم الكثير من المكانة،وكذلك كان يُعجَب بالنابغين في مختلف الأمور ويحبّ تقربهم منه.
شعره
كان ابن عباد شاعراً ينظم الشعر، وقد حاول أن يجعل حياته كلها قصيدة من قصائد الشعر المترف، وأن يجعل بلاطه موئل الشعراء، وقد انضم إليه شعراء الأندلس وأفريقية وصقلية. وقد ألف الكثير من الأشعار، كما جمع له شاعره ابن اللبانة كتاباً من شعره باسم “سقيط الدرر ولقيط الزهر”.
قال أثناء أسره في أغمات عندما رأى بناته بثيابٍ رثة في العيد
فيما مضى كنت بالأعياد مسروراً
فسائك العيد في أغمات مأسوراً
ترى بناتك في الأطمار جائعةً
يغزلن للناس ما يملكن قطميراً
برزن نحوك للتسليم خاشعةً
أبصارهنَّ حسيرات مكاسيراً
يطأن في الطين والأقدام حافيةً
كأنها لم تطأ مسكاً وكافوراً
أفطرت في العيد لا عادت إساءتُه
فعاد فطرك للأكباد تفطيراً
قد كان دهرك إن تأمره ممتثلاً
فردّك الدهر منهياً ومأموراً
من بات بعدك في ملكٍ يسرّ به
فإنَّما بات في الأحلام مغروراً
وقال يعبّر عن ما يمرُّ به في أسره بعد سقوط دولته:
تبدلت مـن ظـل عـز البنود
بذل الحـديد وثقل القيود
وكان حديدي سناناً ذليقاً
وعـضباً رقيقـاً صقيل الحديد
وقد صار ذاك وذا أدهماً
يعـضّ بساقي عــضَّ الأسود
كما قال:
لكِ الله كم أودعت قَلبي أسهماً
وكم لكِ ما بين الجوانح من كَلْم
لحاظُكِ طولَ الدّهر حربٌ لمُهجتي
ألا رحمةٌ تَئنيك يوماً إلى سَلْمِى
الى حلقة مُقبلة إن شاء الله عن تاريخ المعتمد بن عباد
تعليقات
إرسال تعليق