لم يكن الوصول إلى قرية تيديلي بقيادة ازرقطن في إقليم الحوز أمرا هينا، بل لا بد من قطع ثلاث ساعات انطلاقا من مدينة مراكش، مرورا بعدة دواوير تتميز بصعوبة ووعورة المسالك.
هذه القرية النائية التي توجد في طريق ورززات، لا يعاني سكانها فقط من وعورة المسالك، بل يكابدون، أيضا، معاناة كبيرة مع أزمة الماء بمنطقة تعاني شحا في المياه بسبب توالي سنوات الجفاف وقلة التساقطات المطرية.
وتتفاقم هذه المعاناة مع الأطفال، الذين يتطلعون بشغف لحضور محسنين وفاعلي الخير لحفر بئر بقريتهم وسقيهم بقطرة ماء تطفئ ظمأ سنين. في منظر غريب اصطف أطفال ونساء وشيوخ فوق مرتفع يترقبون عملية حفر بئر من طرف جمعية سقيا ـ عطاء الخيرية.
كانت الفرحة تغمر هؤلاء الأطفال وهم يترقبون صعود بشارة خير من البئر، وهي في البداية أول قطرات ماء ممزوجة بالطين وتدل على أن البئر بها ماء. وقبل أن يشرع عمال الشركة المتخصصة في حفر الآبار عملهم، حتى قدمت نساء الدوار وهن يرددن أغاني أمازيغية يعبرن من خلالها عن فرحة السكان بحفر البئر، ويدعون الله أن تدر البئر ماء وافرا وأن لا ينضب أو يجف.
ولم يفت هؤلاء النساء اللواتي تزين وارتدين أبهى الملابس أن يصلين على النبي صلى الله عليه ويسلم ويزغردن فرحا بشرب ماء صالح غير ملوث، وفي الوقت ذاته حملن أواني ملئت بالتمر والحليب والسكر، كلها طقوس تعبر عن مدى سعادتهن وفرحتهن من إنقاذ دوارهن من أزمة الماء.
بعد انتظار طال زهاء تسع ساعات ارتسمت الفرحة على محيا أطفال القرية بعد أن تدفقت مياه البئر بغزارة، حينها ردد الجميع "الله أكبر الله أكبر، الله أكبر"، "الحمد لله والشكر لله"، وتعالت زغاريد النساء ورقص الأطفال تعبيرا عن فرحهم بأولى قطرات الماء. وبالمقابل اصطف أعضاء جمعية سقيا ـ عطاء الخيرية، خلف البئر، رافعين أيديهم متضرعين إلى الله، ومرددين بصوت مرتفع "الله، الله، الله".
وفي هذا الصدد، قال يوسف ناصر مدير مشروع سقيا ـ عطاء بمؤسسة عطاء الخيرية، أن عملية حفر البئر تتطلب عدة خطوات بدءا بإنجاز دراسة أولية، ثم تليها عملية التنقيب عن مكان الآبار، والبحث عن محسنين يتكلفون بحفر البئر، وعند الانتهاء من الحفر يضيف "نتذوق الماء هل هو صالح للشرب أم لا".
وكشف مدير المشروع أن حفر بئر بتديلي سيستفيد منه حوالي 500 نسمة، وذلك بربط 66 منزلا بالماء الصالح للشرب، قائلا لأنه بتوفير الماء "نحارب الهدر المدرسي والهجرة القروية ومعاناة السكان صحيا مع تلوث مياه الشرب".
وأشار متحدثنا إلى أن عملية حفر بئر تتطلب ميزانية بين 60 و80 ألف درهم، مشيرا إلى أن عددا من المحسنين المغاربة سواء داخل الوطن أو خارجه يتصلون من أجل بناء بئر صدقة جارية على أحد موتاهم من قبيل الوالدين مثلا. لم تتوقف جمعية عطاء عند حفر بئر بدوار تيديلي، أول أمس السبت، بل ستواصل عمل الخير بحفر بئر أخرى أمس الأحد بأحد دواوير تارودانت. ويوضح، المدير المسؤول، أن آبارا إضافية سيتم حفرها وتجهيزها في مختلف المناطق النائية بالمملكة، بهدف إيصال الماء الصالح للشرب لأكبر عدد من الأسر بمختلف المناطق البعيدة.
تعليقات
إرسال تعليق