باشرت وزارة الداخلية عبر المديرية العامة للجماعات الترابية تحركات غير مسبوقة في اتجاه رؤساء و المنتخبين بعدد من الجماعات، خاصة بجهة مراكش آسفي، على خلفية شبهات تضارب مصالح تتعلق بتحويل دعم مالي عمومي إلى جمعيات تربطها بهؤلاء المنتخبين علاقات مباشرة أو غير شفافة. هذه التحركات جاءت بعد تقارير توصلت بها المصالح المركزية كشفت عن صفقات مالية مشبوهة اتخذت غطاء “الأعمال الخيرية”، لكنها في الواقع شكلت صورة أخرى من استغلال المال العام خارج الإطار القانوني.
المعطيات المتوصل إليها أفادت بأن الوزارة تستعد لإيفاد لجان تفتيش ميدانية قبل نهاية السنة الجارية، بتنسيق مع الولاة والعمال، من أجل التدقيق في الملفات المرتبطة بدعم جمعيات مستفيدة، ومعرفة مدى احترامها للمقتضيات القانونية المنظمة لدعم الشراكات بين الجماعات والجمعيات. ومن المنتظر أن تسقط هذه التحقيقات دفعة جديدة من الرؤساء والمنتخبين، بعد أن أدت تقارير المفتشية العامة للإدارة الترابية خلال الشهور الماضية إلى عزل عدد كبير منهم بسبب اختلالات مشابهة.
وتشير المعطيات نفسها إلى أن من بين المخالفات التي تم رصدها، استمرار رؤساء جماعات في ترؤس جمعيات تتلقى دعما مباشرا من الجماعات التي يسيرونها، في تعارض واضح مع القانون التنظيمي 113.14 ودورية وزير الداخلية الصادرة سنة 2018. الخروقات لم تقف عند الرؤساء فقط، بل شملت أعضاء ونوابا وكُتّاب مجالس محليين ينتمون إلى جمعيات “خيريات” بعضها لم تنجز مشاريعها رغم تلقيها منحا عمومية.
وتتوفر المصالح المركزية على معلومات تشير إلى تحول بعض هذه الجمعيات إلى أدوات انتخابية تم توظيفها في شراء الولاءات السياسية، عبر تلقي دعم مالي ولوجستي خارج الضوابط القانونية. وهو الأمر الذي دفع الوزارة إلى توجيه تعليمات للسلطات الإقليمية بضرورة تشديد المراقبة على طلبات الدعم وإخضاعها لشروط دقيقة، من بينها توفر الجمعيات على مشاريع منجزة، برامج قابلة للتنفيذ، إمكانيات لوجستيكية وبشرية حقيقية، وحضور فعلي على أرض الواقع.
وتطرح هذه الواقعة من جديد سؤال الحكامة والشفافية في تدبير المال العام بجهة مراكش آسفي، خاصة أن هذه الممارسات تخالف صراحة مقتضيات المادة 65 من القانون التنظيمي للجماعات، التي تمنع المنتخبين من أي علاقة مالية أو تعاقدية مع الجماعات التي ينتمون إليها بشكل مباشر أو غير مباشر. كما تكشف حجم التحدي الذي يواجه السلطات المركزية من أجل تطهير المشهد المحلي والقطع مع ممارسات لطالما ظلت تشكل بابا للهدر والزبونية واستغلال النفوذ.
ويبقى الرهان اليوم على نتائج لجان التفتيش التي ستحدد بشكل واضح المسؤوليات، وقد تحمل معها قرارات سياسية وقانونية من العيار الثقيل، في انتظار أن تبدأ مرحلة أكثر حزما في مراقبة المال العمومي داخل الجماعات الترابية.

جماعة تحناوت نمودجا
ردحذف