حتى لا ننسى ضحايا فاجعة زلزال الحوز، وحتى لا ننسى آلامهم وجراحهم وآهاتهم، وحتى نظل على العهد سائرون نتقاسم معهم همومهم ومعاناتهم خاصة خلال هذه الأيام العصيبة من موسم البرد والصقيع، هنا لابد من التذكير، فإن الذكرى تنفع المؤمنين..
لايختلف اثنان عن كون الدولة دارت لي عليها، والشعب قاطبة أعطى المثل الأعلى في كرم الضيافة ونبل الأخلاق، الكل ساهم ولو بالجزء البسيط، الكل رسم لوحة تضامنية أبهرت العالم، بل وأحرجت دولا أخرى أمام شعوبها، وبات النموذج التضامني المغربي يُدرس في المدارس ويتغنى به في المحافل الدولية…
لا يختلف اثنان عن الدور الريادي الذي قامت به العديد من الدول الصديقة والشقيقة وهبتها التضامنية لإغاثة المنكوبين والتنقيب عن المفقودين ولملمة جراح المرضى والمصابين…كل ذلك نابع من المكانة التي يحظى بها المغرب بين سائر دول المعمور، كدولة ذات سيادة واستقلالية في اتخاذ القرارات بقيادة ملك شاب طموح له رؤية ثاقبة في معالجة كافة الإشكالات والأزمات، بحكمة وتبصر، وهي أمور جد هامة ساهمت في التغلب على تداعيات فاجعة زلزال الحوز، من خلال العمل على اطلاق برامج تنموية طموحة ببعد اقتصادي واجتماعي وسياسي…
لا يختلف اثنان، عن كون أن الدولة المغربية حركت وجندت كافة امكاناتها البشرية واللوجيستيكية، ورأى العالم ذلك وتابع كيف وقف رجال ونساء جبال الأطلس الكبير ومعهم جنود البلد عسكريين وأمنيين وأطباء ومهندسين، وهم يلملمون الجراح وينقذون الأرواح، ويشيعون الموتى بعزة وأنفة، وعيونهم على المستقبل لا تتزحزح، كلهم اصرار على ترميم مافات وتشييد ما هُدم….
ونحن نعيش على وقع موجة البرد القارس، لا بد من التذكير، بأن هناك أناس وعائلات وأسر بحاجة ماسة اليوم للعناية والمتابعة، فمنهم من لازال يقضي أيامه في العراء، وهنا لا بأس أن نشير إلى أن هناك تجمعات سكانية بدائرة اولاد برحيل قيادة تافنكولت اقليم تارودانت، وبالضبط بدواوير اشبارو المغزن، توزمطان، أيت يوسف، اكروفلا، تيبط، ادوبلال، إݣضاشن، حيث تنوعت الحكايات والروايات، لكن في المحصلة، الكل أجمع على أن حجم الألم والمعاناة لازال قائما وتضاعف مع دخول فصل الشتاء…
فحسب ما أكدته مصادر هبة بريس، فإن أطفالا ونساء ورجالا وشيوخا وعجزة، لازالوا يقضون الليل في العراء في برد قارس وموجة صقيع تلفح الوجوه الشاحبة، هنا كثُر الحديث عن حملات الايواء التي تقودها الجهات المعنية ومدى نجاعتها لوقف نزيف تدفق عدد المتضررين من الزلزال.
وأنت تجالسهم تحت خيمة بلاستيكية ونار حطب دافئة، يأخذك الحنين إلى الزمن الجميل، زمن الحكايات الليلية على ضوء الشموع، حكايات كان فيها الجد والجدة يلعبان دور البطولة في نسجها، ليجد المرء نفسه في سبات النوم وقد انغمس ليستفيق على صباح مشرف كله أمل.
إنها مجالسة “الناس الكبار من سكان جبال الأطلس الشرفاء” من طينة “أصحاب النية” كما يقال، أناس تعلمت على أيديهم أجيال، أناس أفنوا زهور أعمارهم لتربية أبنائهم وتعليمهم، ليجدوا أنفسهم في الأخير في مرمى ” التشرد” وسط جبال شامخة وصقيع يلحف الوجوه بردا وقرا، وهم شامخون ثابتون مرابطون غير متزحزحين وبأرضهم متشبتون ولو حُملوا نُعوشا على الأكتاف…
حكايات تقشعر لها الأبدان، تلك التي جاءت على لسان عجوز بالكاد تكلمت لتقول وبصوت خفي: ” أنا يا وليدي عشت أيام عصيبة ومؤلمة خلال الزلزال، شفت فيها الموت بعيني، وشفت فيها المعاناة، كانوا معانا ناس مساكن ماتوا تحت التراب، ودابا هادوا لباقين عيشين دابا كيعانيو مع البرد ….الله يدير شي تاويل ديال الخير…واليوم ما عندي لا حنين ولا رحيم غير ربي الحنين وتوما يا المحسنين….”.
عبارات مؤثرة موحدة لأناس بسطاء فقدوا قواهم ووهنت أجسادهم، وودَّعوا حياتهم وتركوها خلفهم يبكون ضعفهم حاملين وزرهم لوحدهم، بعد أن أفنوا حياتهم في تأمين عيشهم وعيش أسرهم وأبنائهم فوجدوا أنفسهم في نهاية مشوارهم مشردين تائهين بعد أن فاجأتهم فاجعة زلزال الحوز، فأفقدتهم توازنهم، وخطفت من بين أيديهم أعز وأغلى مايملكون، لكن بقي الشرف والكرم والثبات والتعلق بالأرض قائما شاهدا على مدى شموخهم…إنهم ضحايا زلزال الحوز….وحتى لا ننسى آلامهم في عز موجة البرد هاته يبقى التذكير بقضيتهم أمانة في رقاب لِمَن كَانَ لَهُۥ قَلۡبٌ أَوۡ أَلۡقَى ٱلسَّمۡعَ وَهُوَ شَهِيدٞ…
عن هبة بريس
تعليقات
إرسال تعليق