حصلت التلميذة سناء الزناكي على علامة 20 على 20 في اختبار الفلسفة في امتحان الباكالوريا. لم يفاجأ أساتذتها بتلك العلامة. فهم يعتبرون أن ذلك تحصيل حاصل في مسار تلك التلميذة الشغوفة بالفلسفة، هي التي قرأت لفلاسفة كبار تستعصي كتاباتهم، في بعض الأحيان، على طلبة التعليم العالي.
حققت ابنة منطقة أوريكة بضواحي مدينة مراكش، في امتحان الباكالوريا الذي أعلن عن نتائجه قبل أسبوع، علامة 15.57 تخصص علوم فزيائية خيار فرنسية، غير أن التلاميذ في مؤسستها كما الأساتذة لم يكونوا يتساءلون عن النقطة التي حصلت عليها في الفيزياء أو الفرنسية أو الإنجليزية، رغم تفوقها في بعض هذه المواد، بل كانوا ينتظرون التعرف على النقطة التي ستحصل عليها في الفلسفة. ولم يفاجؤوا عندما علموا بأنه حصلت على تلك العلامة الكاملة.
لفتت ذات السبعة عشرة ربيعا، الانتباه إليها منذ السنة الأولى باكالوريا بثانوية المختار السوسي - أوريكة (المديرية الإقليمية الحوز/ أكاديمية جهة مراكش آسفي) . فقد أبدت شغفا كبيرا بالحكمة، كما يلاحظ أستاذ الفلسفة حسن إذ حم، الذي درسها في الأولى باكالوريا. لقد لاحظ أن لها علاقة خاصة بنص الفيلسوف باروخ سبينوزا.
تقول سناء الزناكي، إنها نسجت أواصر علاقتها الأولى بسبينوزا عبر كتاب تناولوا سيرته. كانت البداية مع رواية "مشكلة سبينوزا" لصاحبها الأمريكي إرفين يالوم، ثم كتاب فريدريك لونوار "معجزة سبينوزا"، فكتاب "اسبينوزا والإسبينوزية" لبيير-فرانسوا مورو و"سبينوزا فلسفة عملية" للفيلسوف الفرنسي جيل دولوز.
عبرت بفضل هؤلاء إلى متن سبينوزا، حيث أصرت على قراءة "الأخلاق /الايتيقا " ترجمة جلال الدين سعيد، ثم "رسالة في اللاهوت والسياسة ".
يقول الأستاذ حسن إد حم، إنها تتمتع بصفات نادرة لدى العديد من القراء وتستدعيها مثل تلك النصوص الصعبة. فهي صبورة وملحاحة في محاولة الفهم، لا يثنيها شيء عن محاولة النفاذ إلى كنه المعنى الذي يتيحه الكتاب الفلسفي، خاصة عندما يتعلق الأمر بالمصادر الأولى.
ويضيف أن قراءاتها فاجأت جميع الأساتذة الذين خبروا انشغالها بالسؤال الفلسفي. ما دفع ثانوية المختار السوسي - أوريكة إلى تنظيم مائدة مستديرة تحدثت فيها عن إسهام سبينوزا في تاريخ الفلسفة، حيث أبانت عن اطلاع واسع وفهم عميق لمتن ذلك الفيلسوف.
شغفها بفلسفة سبينوزا لم يقعدها عن الانفتاح على تاريخ الفلسفة، ومحاولة تعقب تعرجات السؤال الفلسفي. فقد انفتحت على فلاسفة آخرين مثل الألماني فريدريك نيتشه، وقبل ذلك كانت بداية تعلقها بالفلسفة عندما قرأت « تأملات ميتافيزيقية » للفيلسوف الفرنسي روني ديكارت. كما دفعها تعطشها للمعرفة إلى القراءة للفيلسوف الفرنسي إدغار موران.
لا تكرس وقتها الذي تفرده للقراءة للإحاطة بالمسائل الفلسفية، فهي تجذبها الرواية. تبدي إعجابا كبيرا بالروائي الإيطالي أمبرطو إيكو، الذي قرأت له روايتي اسم الوردة وجزيرة اليوم السابق، كما قرأت للكاتب اليوناني نيكوس كازانتزاكيس، حيث كان البداية برائعته " زوربا اليوناني".
لم يلهها دأبها على القراءة لفلاسفة أجانب، عن توجيه بوصلة فضولها نحو للكتاب المغاربة . تؤكد أنها قرأت ثلاث كتب للأديب المغربي عبد الفتاح كيليطو، واطلعت على كتابي "خواطر الصباح" و "ديوان السياسة" للمفكر عبد الله العروبي، الذي تنكب حاليا على قراءة مؤلفه "مجمل تاريخ المغرب".
من أين جاءها هذا الشغف بالفلسفة؟. تقول إن شغفها بالفيزياء قادها إلى القراءة لألبرت إنشتاين، الذي تعرفت عبره على الفيلسوف باروخ سبينوزا، ويبدأ انشغالها بـ"السؤال الفلسفي، الذي يقود إلى أجوبة غير شافية، تذكي فيك فضول القراءة والتفكير والتأمل" كما تقول.
تحكي أن حبها للقراءة لاقى تشجيعا كبيرا من والدتها ربة البيت ووالدها الذي يمارس مهنة الخياطة، و تقول إنها شرعت في كتابة خواطر وقصص حتى قبل أن تستهويها القراءة. ساعدها على ذلك توفر نسخ رقمية PDF من الكتب عبر الإنترنيت إلى درجة أضحت تفضلها على الكتب في نسختها الورقية.
ماذا هي فاعلة بعد الحصول على شهادة الباكالوريا؟. حسمت سناء الزناكي أمرها. تؤكد أنها ستدرس الفيزياء بالجامعة. ذلك شغفها الأول، الذي قادها إلى الفلسفة، والذي سيبقيها على علاقة بالحكمة التي أصبحت ضالتها في مسارها الدراسي و حياتها.
تعليقات
إرسال تعليق