التخطي إلى المحتوى الرئيسي

اكتشافات مثيرة بموقع تنمل الأثري التاريخي بجماعة ثلاث نيعقوب


 

أبحاث أثرية جديدة، يشهدها موقع تنمل الأثري التاريخي، الذي يعود إلى الفترة الموحدية من تاريخ المغرب، استأنف شوطها الثالث فريق بحث أثري مغربي فرنسي، يشرف عليه أحمد صالح الطاهري، أستاذ بالمعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث، وعبد الله فيلي، أستاذ بجامعة أبي شعيب الدكالي، وجان بيير فان ستايفل، أستاذ بجامعة السوربون الأولى الفرنسية.

في هذا الحوار مع جريدة هسبريس الإلكترونية، يُطلع أحمد صالح الطاهري، عالم الآثار المتخصص في الفترة الإسلامية بالمغرب، القراء على وضع الموقع الأثري ومسجد تنمل التاريخي سنتين بعد زلزال الحوز الذي مسه، ودور الأبحاث الأركيولوجية الجديدة في فهم حقبة مؤسسة في تاريخ المملكة المغربية والمنطقة المعروفة بالغرب الإسلامي.

هذا نص الحوار:

ما الذي تطمحون إلى اكتشافه في هذه الأبحاث الجديدة بتنمل؟ ولماذا استأنفتم التنقيب في هذه الفترة؟

يأتي المشروع العلمي حول مدينة تنمل الأثرية كتكملة لبرنامج علمي متعدد الاختصاصات شرعنا فيه أولا سنة 2009 بموقع إيكيليز الواقع على بعد حوالي 68 كيلومترا شرق مدينة تارودانت بالأطلس الصغير؛ وهو الموقع الذي لجأ إليه المهدي بن تومرت، والذي ينحدر منه، والذي انطلقت منه الدعوة الموحدية، في محاولة لفهم البدايات الأولى للموحدين الذين نجحوا في ظرف وجيز من توحيد مناطق شاسعة من ضفتي المضيق، وتكوين أكبر إمبراطورية في تاريخ المغرب. فبعد الكشف عن العديد من المعطيات الأثرية، المعمارية وغيرها من مواد وقطع خزفية ونقدية وأدوات حربية، تبين لنا كفريق علمي أننا نجهل الكثير عن تاريخ هذه الحقبة المؤسسة في تاريخ المغرب، وعن حضارته وخاصة في مناطق غالبا ما اعتبرت تعسفا بأنها هامشية.

كان لتلك النتائج الدور الحاسم في تتبع خطوات الدعوة الموحدية، والعمل على التنقيب في المحطة الثانية التي كانت بمدينة تنمل بعد مغادرة رباط إيكيليز، في خطوة الهدف منها الاقتراب من مراكش والاستعداد للانقضاض على السلطة وتحييد الدولة المرابطية التي دب الضعف إلى هياكلها. إنها إشكالية تاريخية وحضارية محورية في تاريخ المغرب الوسيط ولم تنل ذلك الاهتمام الذي تتطلبه.

من جهة أخرى، فإن الموقع الذي يشكل “المدينة المقدسة عند الموحدين” لاحتضانه المقبرة السلطانية للمهدي بن تومرت وعبد المومن بن علي وابنيه أبي يعقوب يوسف وأبي يوسف يعقوب المنصور، التي شكلت طيلة عقود موضعا للزيارات السلطانية إلى حدود 1275 ميلادية، لم يحظ بدراسة إلا ما خص بها مسجدها الشهير الذي بناه الخليفة عبد المومن مكان المسجد المتواضع الذي كان يصلي فيه المهدي بن تومرت، الزعيم الروحي للموحدين.

إن استئناف التنقيب في مدينة تنمل الأثرية جاء إذن لإعادة الاعتبار أولا للموقع كمدينة ومحطة أساسية في تاريخ المغرب الوسيط، كانت تتوفر فيها كل مكونات المدينة الإسلامية من أسوار دفاعية وأبواب حضرية وأحياء سكنية ومجال فلاحي، وعلاقات مع باقي مكونات مجالها القريب بوادي نفيس وبلاد السوس والبعيد بحوز مراكش وصولا إلى فاس وبلاد تامسنا. ففي غياب النصوص التاريخية المفصلة والدقيقة، وقلة الدراسات التاريخية والأثرية وانحصارها في المسجد السلالي، ترسخت لنا القناعة بأن التنقيب الأثري يبقى الكفيل بالكشف عن حقبة مهمة من تاريخ المدينة، وفهم مكوناتها المادية، والوقوف على خاصياتها الحضرية، وتحديد إسهاماتها في نجاح الدعوة الموحدية، وتطوير كل مكوناتها الحضارية.

ما أهمية هذا الموقع الأثري في فهم التاريخ السياسي والديني للمغرب والغرب الإسلامي؟

إن مدينة تنمل الأثرية هي القاعدة الثانية للدولة الموحدية، وهي الموطن الثاني لكل القبائل المصمودية، بما فيها قبيلة هرغة التي ينحدر منها المهدي بن تومرت، الزعيم الروحي للدعوة، وهي المدينة التي استقبلت كل القبائل التي بايعته وشاركت في أول المعارك التي خاضها ضد الدولة المرابطية، وهي المدينة المقدسة للموحدين لاحتضانها قبر المهدي بن تومرت والخلفاء الثلاثة الأوائل للدولة. فبفضل موقعها وتحصيناتها المنيعة، سواء تلك المشيدة من قبل أهلها أو تلك التي حباها الله بها طبيعيا، لعبت مدينة تنمل دورا أساسيا في نجاح الدولة الموحدية؛ فمنها انطلقت الهجومات التي انتهت بدخول الموحدين إلى مراكش سنة 1147، وتوحيد جهات المغرب قبل الانتقال إلى توحيد شمال بلاد المغارب من غرب ليبيا حاليا شرقا، إلى المحيط الأطلسي غربا، وسرقسطة شمالا.

من الناحية الحضارية، فإن المكونات المعمارية لمدينة تنمل كان لها الأثر الكبير على التطورات التي عرفتها العمارة المغربية بغرب حوض البحر المتوسط. فسواء تعلق الأمر بالعمارة العسكرية أو الدينية، فإن ما تكشف عنه تنقيبات الفريق خلال الموسمين الأولَيين للبرنامج العلمي الذي نشرف عليه يبرز بشكل جلي الإسهامات التي كان لها الأثر الكبير على تاريخ المغرب ومحيطه المتوسطي؛ فقد شكل مسجد المدينة النموذج الذي سيرسخ معمار المساجد المغربية إلى حد الآن، إضافة إلى وضع الركائز الأولى لعدد من العناصر الإنشائية والزخرفية.

كما تبرز المعطيات الأولى للحفريات أن أسوار وأبواب المدينة قد حظيت بميزات، بعضها ينجز لأول مرة في العمارة العسكرية المغربية، مؤسسا بذلك للتطور الذي ستعرفه على عهد الدولة الموحدية هذه المنشآت الدفاعية، كما هو جلي في مراكش والرباط وفاس وتازة بالمغرب وإشبيلية بالأندلس وميرطولا بالبرتغال مثلا.

كيف عاينتم وضع الموقع الأثري، بما في ذلك مسجد تنمل، بعد زلزال الحوز؟

كان للزلزال الذي أصاب المنطقة سنة 2023 أثر كارثي ليس فقط على المسجد السلالي؛ ولكن أيضا على باقي مكونات الموقع من تحصينات بالجانب الشرقي للمدينة وبقايا الأحياء الساكنية التي كانت تغطي زهاء 52 هكتارا، وهي المساحة التي كانت تحتلها المدينة الموحدية آنذاك.

ومن خلال البرنامج الذي ننجزه نعمل جاهدين على أن نوثق لكل الآثار، بطبيعة الحال حسب الإمكانات المتوفرة، وأن ننقب في أهم الأماكن التي تقدم أكبر عدد من المعطيات في محاولة لدراسة الموقع وتحديد خاصياته وإسهاماته السياسية والحضارية في تاريخ بلادنا. كما نعمل جاهدين مع باقي المهتمين من أجل تثمين تلك المكونات التراثية والحفاظ عليها؛ لأنها جزء لا يتجزأ من الهوية الوطنية والحضارة المغربية.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

عامل إقليم الحوز يوقف رئيس بلدية أمزميز ونائبه الثاني ويحيل ملفهما إلى المحكمة الإدارية لعزلهما

 دخل ملف علال الباشا رئيس جماعة أمزميز ونائبه عبد الغني وحمان المنتميان لحزب التجمع الوطني للأحرار، مرحلة حاسمة، بعد أن قرر عامل الإقليم مصطفى المعزة توقيفه من مهامه بشكل رسمي بالتزامن مع تقدمه بطلب إلى المحكمة الإدارية بمراكش يقضي بعزل الباشا ووحمان من منصبهما، وذلك بناءً على ملف ثقيل أعدته المفتشية العامة للإدارة الترابية (IGAT) في عدة مجالات مرتبطة بالتدبير الجماعي.   وحددت المحكمة الإدارية في مراكش جلسة بتاريخ الثلاثاء 9 دجنبر 2025 للنظر في ملف عزل الرئيس علال الباش ونائبه الثاني عبد الغني وحمان، الذي يستند إلى المادة 64 من القانون التنظيمي رقم 113.14، والمتعلق بمسطرة العزل في حالات الإخلال الخطير بقواعد الحكامة وتدبير الشأن المحلي.

هذا ما قررته محكمة الإستئناف في حق محمد أمكيزو رئيس جماعة مولاي إبراهيم

قررت محكمة الاستئناف بمراكش، اليوم الخميس رابع دجنبر الجاري، تأجيل محاكمة محمد أمكيزو، رئيس جماعة مولاي إبراهيم، ومن معه، إلى غاية 25 دجنبر الجاري، وذلك من أجل منح هيئة الدفاع مزيداً من الوقت للاطلاع على تفاصيل الملف وتقديم دفوعاتها. وجاء التأجيل في سياق الجلسات الاستئنافية المتعلقة بالقضية التي تواصل إثارة اهتمام المتتبعين المحليين. وكان أمكيزو قد استفاد من حكم البراءة ابتدائياً، بعدما قضت غرفة الجنايات الابتدائية المكلفة بجرائم الأموال بتاريخ 20 يونيو الماضي ببراءته من التهم التي كان متابعاً بها، والمتعلقة بجنايتي تبديد واختلاس أموال عامة ومنقولة موضوعة تحت يده بمقتضى وظيفته. وقد جاء هذا الحكم بعد مسار طويل من التحقيق التفصيلي الذي باشره قاضي التحقيق بناء على ملتمس الوكيل العام للملك. وتنتظر ساكنة جماعة مولاي إبراهيم، ومعها الرأي العام المحلي، ما ستؤول إليه الجلسة المقبلة بتاريخ 25 دجنبر الجاري، والتي من المرتقب أن تكون حاسمة في تحديد المآل القضائي للملف. وبين البراءة الابتدائية والمسار الاستئنافي، يظل الملف مفتوحاً على جميع الاحتمالات، في انتظار كلمة القضاء التي ستضع حداً للجدل الذ...

توقيف مُضرم النار في سيارتين تابعتين لعنصرين للدرك الملكي بأمزميز

  تمكنت مصالح الدرك الملكي بأمزميز، اليوم الثلاثاء ثاني دجنبر، من وضع حد لحالة الاستنفار التي عاشتها المنطقة خلال الأيام الماضية، بعد إيقاف الشخص المشتبه في تورطه في عمليتي إضرام النار في سيارتين تابعتين لعناصر الدرك الملكي داخل تجزئة الأطلس بجماعة أمزميز بإقليم الحوز. وكانت التجزئة قد اهتزت فجر السبت الماضي على وقع اعتداء جديد استهدف هذه المرة سيارة دركية تقيم بالحي نفسه، وذلك بعد أيام قليلة فقط من حادث مشابه طال سيارة دركي آخر. وقد وثّقت كاميرات المراقبة بالشارع العام لحظة إقدام شخص ملثم على سكب مادة سريعة الاشتعال وإضرام النار قبل الفرار نحو وجهة مجهولة، في مشهد خلق حالة من القلق وسط الساكنة. وفور وقوع الحادث الثاني، أطلقت القيادة الإقليمية للدرك الملكي بالحوز تحقيقاً موسعاً، اعتمد على تحليل تسجيلات الكاميرات وجمع المعطيات التقنية والميدانية، ما أسفر في النهاية عن تحديد هوية الجاني وتوقيفه صباح اليوم. وتحاول المصالح المختصة حالياً فك لغز الدوافع الحقيقية وراء هذه الأفعال الخطيرة، التي استهدفت بشكل مباشر أجهزة الأمن، في وقت تتواصل فيه التحريات للكشف عن أي ارتباطات محتملة أو جهات ...

بعدما أحال العامل ملفهما للعدالة بهدف عزلهما.. هذا ما قررته المحكمة الإبتدائية في حق رئيس جماعة أمزميز ونائبه الرابع

  قررت شعبة القضاء الشامل والإلغاء بالمحكمة الإدارية الابتدائية بمراكش، زوال اليوم الثلاثاء 9 دجنبر 2025، إرجاء البت في ملف عزل رئيس جماعة أمزميز، علال الباشا، ونائبه الثاني عبد الغني وحمان، المنتميين لحزب التجمع الوطني للأحرار، إلى غاية 16 من الشهر الجاري، وذلك قصد تمكين جميع الأطراف من استكمال إعداد دفوعاتهم. ويأتي طلب العزل استنادا إلى تقرير أنجزته المفتشية العامة للإدارة الترابية، تضمن رصد جملة من الاختلالات المرتبطة بتدبير الشأن المحلي داخل الجماعة، فضلا عن الاعتماد على مقتضيات المادة 64 من القانون التنظيمي رقم 113.14، التي تنظم مسطرة العزل في حالات الإخلال الخطير بقواعد الحكامة والتسيير. وكانت السلطات الإقليمية قد قررت في وقت سابق توقيف رئيس الجماعة ونائبه عن مزاولة مهامهما، قبل إحالة الملف على أنظار المحكمة الإدارية المختصة قصد البت فيه، وذلك في سياق الحرص على احترام المساطر القانونية وتكريس مبادئ الحكامة الجيدة في تدبير الشأن الجماعي.

انطلاق الجلسة الثانية من اجتماعات تسريع إنجاز الأسواق النموذجية بإقليم الحوز + صور

انطلقت قبل قليل من صباح يومه الثلاثاء ثاني دجنبر الجاري، الجلسة الثانية من الاجتماعات المخصصة لتسريع إنجاز الأسواق النموذجية بعدد من الجماعات، وذلك برئاسة الكاتب لعمالة إقليم الحوز،، وبحضور رؤساء الجماعات الترابية المعنية وممثلي المصالح الخارجية والهيئات المهنية المرتبطة بالقطاع التجاري. وتندرج هذه الاجتماعات ضمن الدينامية التي يشرف عليها عامل الإقليم مصطفى المعزّة لتسريع وتيرة المشاريع الرامية إلى تنظيم التجارة وتحسين ظروف اشتغال الباعة. وتأتي هذه الجلسة في إطار التنسيق مستمر بين السلطات الإقليمية برئاسة العامل المعزة والجماعات ورؤساء المصالح المعنية، بهدف بلورة نموذج جديد للتنظيم التجاري، وتوفير فضاءات حديثة وآمنة تستجيب لحاجيات الساكنة. ومن المنتظر عقد جلسات إضافية مستقبلا لمتابعة التقدم المحقق وتسريع وتيرة الأشغال إلى حين افتتاح الأسواق في أقرب الآجال.