ويحضر هذا الفن المعماري الذي يجسد رؤية الأمازيغ للعالم عبر تصاميم هندسية جميلة، استخدمت في بنائها المواد الطبيعية المتوفرة في المجال، لتتنوع من السهول إلى التلال والهضاب والجبال، ما جعل البنايات تشكل جزءا من الطبيعة، ما مكنها من مقاومة عوامل التعرية، فمنها مباني عديدة ما زالت شامخة تحتفظ برونقها وحيويتها مندمجة في نمط حياة التجمعات السكانية الأمازيغية في المغرب.
وعن هذا المعمار قال محمد احديدة المتخصص في التاريخ واللغة الأمازيغين، الطابع المعماري المغربي القروي الأمازيغي له علاقة بالطبيعة من حيث مواد البناء والمجال الجغرافي، فالأهالي يلجؤون إلى استعمال المواد المحلية، لذا تحضر الأحجار في المناطق الجبلية، والطين المكبوس في السهول، وبالتلال والهضاب يعتمد خليط من الحجر وطين اللوح، مشيرا إلى أن عمارة الحجارة تتميز بهندسة بديعة، لأن الأحجار يربطها تناسق تام لا يحتاج إلى طلاء خارجي، كما تعطي جمالية في شكلها الخارجي والداخلي.
وبعد أن ضرب مثلا لهذا المعمار الهندسي بالمناطق الجبلية، قائلا” منطقة أرمد بالمنطقة السياحية إمليل، منحوتة من الحجر وكأنها جزء من الجبل”، أوضح أحديدة في تصريح لهسبريس، أن استقرار الإنسان الأمازيغي الذي يعود إلى 1500 سنة قبل الميلاد، كان يتم داخل المغارات بالجبال التي تسمى” “إفري”، وتنتشر بجبال توبقال، والجماعة القروية الترابية” أكفروان”و”أسني”، وهذا دليل على أن الناس كانوا يستقرون فيما تنحته الطبيعة”.
ووفقا للأستاذ الباحث ذاته، فالقلاع التي بنيت في إقليم الحوز، شكلت حصونا بناها المرابطون لمنع زحف الموحدين نحو مدينة مراكش، كحصن “تسغيموت” بأيت أوير و”اكرفوران”، وحصن “تفركجونت” بالجماعة القروية الترابية مولاي إبراهيم، التي تتكون مواد بنائها من الحجر والطين وهي شاهد على هذه الخصوصية المرابطية، وزاد متأسفا “لأن أغلب السكان يلجؤون حاليا إلى البناء بالمواد الحديثة كالأسمنت”.
وللحفاظ على هذا الموروث الثقافي، يدعو المتحدث نفسه، إلى تظافر الجهود من طرف المجتمع المدني ووزارة الثقافة والمكلفين بالتعمير، لحماية هذا التراث وخصوصيته، وتثمينه وتأهيله ليقوم بوظيفته في التنمية الاقتصادية، مقدما نموذجا لذلك بدوار “أزرو”(مدشر من الحجر) بالجماعة الترابية القروية مولاي إبراهيم، والذي يعرف توافد أفواج من السياح، لأخذ صور للأشكال الهندسة المعمارية الأصيلة الأمازيغية البديعية، التي لازال تقف شامخة أمام عوامل التعرية.
وبخصوص عمر هذا الهندسة المعمارية بدوار اغري، أوضح عبد العزيز أبريان من دوار اغري بالجماعة الترابية القروية تيديلي مسفيوة،” أن بعض المنازل من طوابق يتجاوز عمرها 2000 سنة، ولا زالت تقاوم شامخة كجبال الأطلس، مضيفا” كلما تعرض بناء للضعف يتم ترميمه من طرف أجدادنا الذين توارثوا هذا الرأسمال التاريخي للقبائل الأمازيغية التي اتخذت من الجبال مسكنا”.
وفي تصريح لهسبريس، تابع أبريان قائلا” مسجد دوارنا لا تاريخ له، لأنه يضرب في جذور الزمن، كما يحكي لنا أجدادنا”، مشيرا” إلى أن محاولات حفر جدار لهذا المسجد كشفت عن وجود مقابر تعود لمدشر اندثر كان يسمى”أيت موسى”، وبقي المسجد مقاوما، وقمنا بإعادة ترميمه بالمواد نفسها، باستثناء الصومعة التي بنيت بالأسمنت”.
وعن مواد البناء التقليدية التي تعتمد في البناء بهذه المنطقة أشار هذا القروي، وهو منهمك في اعداد أحبالا من “تزنيرت” (الدوم)” إذا بنيت بالحجر فأنت تضمن بناء قويا يصعب هدمه، ومكيفا لأحوال الطقس، فخلال الشتاء يوفر الدفئ، أما في الصيف فإنه يضمن البرودة”، وعن طريق اعداد مواد البناء، فذلك يحتاج إلى نحت الحجر من طرف حرفيين مهرة لا زال بعضهم على قيد الحياة”، بتعبير عبد العزيز أبريان.
محمد التجاني نائب رئيس المجلس الإقليم للحوز، أكد من جهته، الأهمية التي لهذا التراث في التنمية المحلية، لأن جماعة تيدلي مسفيوة بإقليم الحوز، لم تنل حضها من العناية كوجهة سياحية، رغم توفرها على معطيات طبيعة وثقافية، وعلى مسارات جبلية تغري هواة الرياضات الجبلية، والبعد الاستراتيجي للمنطقة التي تربط بين جماعة أوريكة وتغدوين، التي توجد بها نقوش تاريخية “بياغر”، ومنبع واد الزات على الحدود مع إقليم ورزازات، وعبر جماعة”زرقطن”، عاصمة قبائل”كلاوة” التي تشكل نقطة عبور إلى الجنوب الشرقي.
ولأن جماعة تيديلي مسفيوة، تتوفر على مناظر طبيعية حباها الله بها، من قبيل مناطق تكسوها الثلوج وبحيرات، ومسالك غابوية وعيون طبيعية، ومناطق عاش بها اليهود المغاربة، ومقابرهم شاهدة على ذلك، ومعاصر للزيتون تقليدية، ومباني تاريخية مبنية بالمواد المحلية، وغالبيتها من طبقتين وتقاوم عوامل التعرية، وشاهدة على الإبداع، فالمنطقة في حاجة إلى العناية من طرف الجهات المسؤولة عن التراث المادي واللامادي، لاستثماره في السياحة من أجل تنمية محلية مستدامة.
وأرجع الفاعل الجمعوي عبد اللطيف الجعيدي ضياع التراث المادي واللامادي التي يزخر به بإقليم الحوز، إلى غياب مندوبية كل من وزارة السياحة والثقافة، كمؤسستين أنيطت بهما العناية بالتنمية المستدامة، من خلال توظيف الموروث الثقافي في بناء سياحة جذب السياح، ولتنويع باقة هذا القطاع بإقليم يعتمد وجهات محدودة، في ظل وجود مناطق أخرى يمكن أن تشكل وجهات سياحية لما تزخر به من معطيات طبيعية وتاريخية وثقافية.
تعليقات
إرسال تعليق