التخطي إلى المحتوى الرئيسي

الكاتب و الفنان التشكيلي العراقي فائق العبودي يكتب: دعاء مُجاب


فائق العبودي  / كاتب و فنان تشكيلي عراقي

اسمه حسن، الابن البكر لوالديه، لديه ثلاثة إخوة، وثلاث أخوات, هادئ الطباع ,عنيد , يميل لون بشرته إلى السمرة, شعره أسود طويل، عيناه عسليتان واسعتان, يراقب كل شيء من حوله, ترك أطفال مشاكسون آثار خدوش على خديه،لا يتكلم كثيراً, يحب الاستماع أكثر من التحدث, يميل للضحك والمقالب, يحلم بأن يكون بحاراً ليجوب العالم، ولأنه الابن البكر وقعت عليه مسؤوليات كثيرة, مطلوب منه المساعدة بالبيت, وأثناء العطلة المدرسية عليه أن يعمل هنا وهناك ليتكفل بمصروفه، ويساعد أهله قليلاً, مزاجه الصعب جعله يغير العمل باستمرار, لا يتردد بترك عمله في اليوم التالي عندما يضايقه أحد العمال، لا يستنكف من طبيعة عمله, اشتغل كناساً، وحمالاً، وصباغاً، وفي مصانع إنتاجية عديدة , أخطرها ذلك المصنع الذي ينتج مصابيح السقوف الثانوية , كان يعمل على آلات خطيرة, ومع أن قانون العمل لا يسمح لصبي بعمره بممارسة هذه الأعمال الخطيرة,  لكن بعض أصحاب المصانع يستغلون الأولاد لقلة أجورهم, ُكلف حسن يوماً بتحويل الطبقات الحديدية إلى قطع صغيرة, باستخدام ماكنة كبيرة تحتاج الى الدقة والتركيز العالي, اختاره صاحب المصنع لهذه المهمة, لذكائه المتميز عن أقرانه في العمل.
اشتغل حسن أياماً متتالية, منجزاً الكثير من الطلبات, وما حدث  قبل نهاية ذلك اليوم المرهق بسبب العمل على تلك الآلة الكبيرة التي تصدر صوتاً عالياً جداً، وهي تقطع الحديد إلى قطع بأحجام صغيرة, مر زميل له وصار يمازحه, والآلة تعمل, وإذا بحسن يغفل قليلاً عنها، وكاد أن يقطع سبابة يده اليسرى, انتبه في اللحظة الاخيرة, واستطاع أن ينقذ نفسه من إصابة خطيرة, لكنه لم يسلم، فقد أصيب في حافة أصبعه بجرح صغير, مما جعل صاحب المصنع يقدم له هدية بسيطة ليرضيه, خشية من عقوبة ستقع عليه حال إعلام نقابة العمال بذلك .
بعد هذا الحادث أجبره والده على ترك ذلك العمل الخطير, ووعده بأن يجد له عملاً بسيطاً يتناسب مع عمره وبنيته الضعيفة, وفعلاً بعد يومين وجد له عملاً في صباغة الأثاث, مع "أسطة كريم" ذلك الرجل سمج التعامل,حاول حسن التهرب من الالتزام بعمل مع هذا الكائن الثقيل لكنه لم ينجح, وقال في نفسه:
لا يهم سأتصرف بغباء أثناء العمل، واجعله يطردني .
وهذا ماحصل فعلاً, في يومه الأول طلب منه تنعيم خزانة مصنوعه من الخشب الأسود الإفريقي غالي الثمن, غطاها أسطة كريم بعجينة رمادية اللون لغلق الثقوب وآثار الجروح الموجودة على الخشب, ليقوم بصباغتها فيما بعد .
قال بصوته الجهوري: ابني حسن أريدك أن تأخذ ورق السنفرة هذا، وتقوم بتنعيم الخشب, أنا ذاهب الى السوق لشراء ما أحتاج إليه من أصباغ، وسأعود , وتأكد سأقلع لك أذنيك إذا لم تنجز عملك جيداً, قالها بمزاح ثقيل, لم يعجب حسن .
حسناً أستاذي لا تقلق سأفعل ذلك, وبدأ عمله بهدوء وشيئاً فشيئاً زادت حماسته في التنعيم فأزال العجينة وما خلفها, طبقة كبيرة من الخشب تحولت إلى غبار غطى المكان, تحولت الزوايا الحادة بقدرة حسن الى أشكال منحنية, لم تصمد زاوية واحدة أمام حركته الخفيفة والسريعة, يستحق حسن لقب "محطم الزوايا".
بعد ثلاث ساعات عاد أسطة كريم , وجد المكان وحسن بلون واحد هو اللون الناتج عن احتكاك الخشب بورق السنفرة, الغبار في كل مكان , تفحص أسطة كريم الخزانة, فوجدها تحولت إلى سهم أصاب قلبه, صدمه حسن، وأفقده أعصابه، فصرخ، وهدد، وتوعد، أصبح يتكلم بلغة  تحتاج إلى تنعيم أيضا لكي تفهم.
تسمرحسن أمامه، وضع يده اليسرى على جبينه, ويده الأخرى ما زالت تحتفظ بورق السنفرة اللعين, منتظراً من أسطة كريم أن يكرمه بالقول:" اذهب عن وجهي لايوجد عمل لك معي". انتظرها, لكنه لم ينطق بها, ربما ظن أنه في يومه الأول، ما زال لا يعرف شيئا عن المهنة وأسرارها.
بكل هدوء وبرودة أعصاب, قال حسن:
أستاذي.. للحقيقة لم أفهم لماذا لم يعجبك عملي؟  استفزه كثيراً ذلك السؤال، و صرخ في وجهه:
اذهب من وجهي أيها الغبي ....
وهنا لم يقبل حسن منه هذه الاهانة، ورفع صوته:
لماذا تقول عني غبياً؟  ليس من حقك هذا ..إنه يومي الأول معك، ولم يسبق لي أن اشتغلت  بهذه المهنة,هل تفهم ذلك؟ لا أسمح لك بإهانتي , إذا لم تعجبك طريقة عملي.. ابحث عن غيري وأرح نفسك , ما زلنا في البداية ...
أجاب : اذهب لا أريد رؤيتك هنا بعد الآن ..رد عليه حسن بهدوء:
حسناً.. حسناً..  أعطني أجرة الساعات التي عملتها معك وسأذهب.
- أي ساعات عمل، أنت مجنون!! كل هذا الخراب الذي سببته، وتريدني أن أعطيك أجراً عن دمارك الشامل ؟اذهب عن وجهي وإلا صفعتك .
شعر حسن بخطورة الوضع, قرر التنازل عن أتعابه وغادر المكان، أمامه الآن مشكلة أخرى, كيف سيقنع أهله أنه ترك عمله؟ قال في نفسه:
سأقول الحقيقة، لا أحب العمل مع هذا الرجل ثقيل الدم, وقد حدثت لي مشكلة معه بسبب فهمي الخاطئ للعمل الذي طلبه مني, ذلك جعله عصبياً، فتجاوز حده، ونعتني بالغبي، وعلى أثرها تركت العمل .
تمنى حسن أن يجد والده في البيت, ليسهل عليه التفاهم معه, أما أمه فقد كانت صعبة جداً, ومتسلطة, لا يستطيع التفاهم معها بسهولة، فهي تطلق صوتها العالي بالسباب والشتائم والطرد من البيت .
وصل الى البيت وهو في غاية القلق, عند الباب سمع صوت أمه تصرخ على إخوته نتيجة شجار حدث بينهم, وعندما رأته قالت له:
ألم تذهب للعمل ؟ وأخبرها بما حصل, زاد هذا من ثورة الغضب داخلها , تراجع حسن قليل باتجاه الباب ليخرج خشية أن تضربه, قالت:
- تعال أين أنت ذاهب ؟
سأخرج يا أمي ...سأخرج .
اذهب عساك لا تعود , لا تسعدني رؤية وجهك .
خرج مسرعاً غير مبالٍ بما سمعه من أمه, فقد اعتاد على سماعه مرات عديدة, وهو يمشي في الشارع تائه الذهن, وإذا بالباص الذي يذهب إلى المدينة، وقد توقف قريباً منه, ودون أي هدف استقل الباص على عجل، وكأنه على موعد مهم, توقف الباص بعدة محطات، وكان يسأل نفسه هل أنزل هنا ؟ أم في الموقف التالي؟ إلى أن وصل الباص إلى مركز المدينة, قاطعاً الجسر ليعبر إلى الجانب الآخر.
سريعاً لمح حسن مجموعة من الشباب والأطفال يسبحون على حافة النهر الهادر .
حرارة الصيف اللاهب، والإحباط الذي يعيشه شجعه للالتحاق بهؤلاء الصبية, رغم عدم معرفته بفنون السباحة, جلس بالقرب منهم يراقب الجميع محاولاً أن يتعلم حركاتهم وهم يسبحون, وحاول تشجيع نفسه لينزل معهم للنهر, منعه شعوره بالخجل من ذلك, كونه لا يجيد السباحة, وخشي أن يصبح موضع سخرية للآخرين، لذلك قرر الذهاب بعيداً عنهم ليختار مكاناً لا يراه فيه أحد، وينزل للنهر, تمشى قليلاً باتجاه الجسر , واختار له مكاناً, نزع ملابسه، ووضعها بجانب النهر، ووضع عليها حجراً لكي لاتأخذها الريح بعيداً, وجلس يتأمل النهر، وحركة الماء السريعة، وطيور النورس التي تملأ المكان ضجيجا.
تخيل نفسه سباحاً بارعاً يسابق الزوارق في النهر ويسبقها, وتحلق النوارس فوق رأسه تصفق له بأجنحتها الطويلة .
وبينما هو يستعد للنزول للماء, تحسس محفظته في جيب بنطاله، أخرجها تفحص ما تبقى عنده من نقود, وإذا بصورته الشمسية التي يحتفظ بنسخة منها، سقطت وطارت مع الريح لتنزل على حافة النهر, التقطها سريعاً، مسح الماء عنها, نظر إليها وتذكر يوم التقطها له المصور بتلك الكاميرا الشمسية العجيبة التي لم تقنعه , كونها عبارة عن صندوق خشبي بكيس أسود يشبه العباءة, التقط صورته هذه برفقة أمه,خصيصاً لعمل بطاقة التطعيم ضد الأمراض المعدية، تذكر أمه وهي تشرح له عن طبيعة عمل هذا النوع من الكاميرات, أحس بالانزعاج، ودمدم في نفسه:
أحبك يا أمي لماذا تعامليني بهذا الجفاء؟ أنت لا تحبينني لا تحبينني, واغرورقت عيناه بالدموع, وصاريتخيل صورته تلك ستكون على صفحات الجرائد والمجلات بطل العالم بالسباحة التي لا يجيدها, ربما ستصبح أمي فخورة بي عندما ترى صورتي في كل مكان.
قلب الصورة ليجدعبارة صغيرة كتبها بخطه الجميل, التقطت هذه الصورة بتاريخ 8.7. 1972 ، ابتسم, وأدخل صورته في المحفظة, ووضعها في الجيب، وطوى البنطال عليها ثم وضع قميصه، وزاد عليهم الحجر.
وحاول النزول للنهر خطوة خطوة, وإذا بقدمه ينزلق بسرعة، ووجد نفسه داخل حفرة عميقة لا يستطيع الوقوف على قدميه، صرخ بأعلى صوته وهو يحاول أن يمسك بشيء ما من جرف ذلك النهر ولكن حركة الماء السريعة سحبته بعيداً بعيداً، إلى أن ابتلعه النهربصمت .
واستجيب دعاء الأم, فقد ذهب ولن يعود. وبقيت صورته في ذلك المكان شاهداً على رحيله .

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

شبهة تلاعبات بملفات دعم الزلزال تطارد عوني سلطة “مقدم” و”شيخ” بإقليم الحوز

  أمر وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية بمراكش، أخيرا، عناصر الدرك الملكي التابعة للمركز الترابي إقليم الحوز، بمباشرة بحث قضائي تحت إشراف النيابة العامة، حول قضية إجرامية تتعلق بوجود شبهة تلاعبات بملفات دعم الزلزال تطارد عوني سلطة “مقدم” و”شيخ”. وحسب مصادر “الصباح”، شرعت عناصر الضابطة القضائية بتعليمات من وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية بمراكش، في إجراء بحث قضائي بالاستماع إلى مجموعة من المشتكين، في انتظار الاستماع إلى العونين المتهمين بالتلاعب بملفات ضحايا الزلزال، لكشف ملابسات القضية وظروف وقوعها وخلفياتها الحقيقية، قبل اتخاذ المتعين. وأضافت المصادر ذاتها، أن أزيد من 33 أسرة بمنطقة إيدي سيار قيادة ثلاث نيعقوب بجماعة إجوكاك دائرة أسني بإقليم الحوز، تقدمت بشكاية جماعية إلى وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية بمراكش، تتهم فيها عوني سلطة برتبة “مقدم” و”شيخ” بالتورط في تلاعبات تهم مسار ملفات دعم ضحايا زلزال الحوز الذي عرفه الإقليم ومجموعة من الأقاليم والمدن في شتنبر 2023. وأفادت مصادر متطابقة، أن الأسر المحرومة من الدعم المخصص لزلزال الحوز،قررتبعد استنفاد جميع الحلول التقدم بشكاية إلى وكي

الوحدة المتنقلة للبطاقة الوطنية لمراكش.. انجاز 1045 بطاقة لفائدة ساكنة قيادات ثلاث نيعقوب وأوريكة وأكفاي وسيدي الزوين

  تواصل الوحدة المتنقلة للبطاقة الوطنية بولاية أمن مراكش، تقديم خدماتها للساكنة القروية اعتبارا لبعد المسافة إلى وسط المدينة وصعوبة التنقل في بعض الحالات. و أكد مصدر عليم، أن هذه النواة قامت بسلسلة من الخرجات الميدانية لتأمين عملية تقريب البطاقة من ساكنة إقليم الحوز وعمالة مراكش، حيث شملت العملية الأخيرة، بتعاون مع السلطات الإدارية الترابية، كلا من قيادات ثلاث نيعقوب، وأوريكة، وأكفاي، وسيدي الزوين ، بإنجاز بلغ 1045 بطاقة وطنية. واعتبارا لكون تسليم البطاقة الوطنية الجاهزة بنفس مكان الإنجاز بالمجال القروي، يشكل بعدا جوهريا في اهتمام القيادة الجديدة، تكريسا للتعليمات المديرية سارية المفعول، يضيف المصدر، فإن العملية تشمل تسليم جميع البطائق المنجزة لأصحابها بأماكنهم، فيما تتواصل العمليات بقيادات أخرى ستشمل جمع عمالات أقاليم ولاية جهة مراكش أسفي. وأشار نفس المصدر، إلى أن القيادة الجديدة تنهج مخططا متجددا، يعتمد تشخيص دقيق للمتطلبات الآنية للساكنة القروية من خلال رصد استباقي لمؤشر الطلب على البطاقة الوطنية بالقيادات الترابية والاستجابة الفورية لجميع الطلبات كيف ما كان حجمها.

إصابة شخصين بجروح بليغة في حادثة سير مروعة بين تحناوت و مراكش + صور صادمة

                                       خلفت حادثة اصطدام سيارة خفيفة بدراجة نارية على الطريق الرابطة بين تحناوت و مراكش، على مستوى دوار "المزوار" التابع ترابيا لجماعة أغواطيم، ليلة يوم الجمعة 25 أكتوبر الجاري، إصابة شخصين بجروح خطيرة. و فور علمها بالحادث، حلت عناصر الوقاية المدنية بمكان الفاجعة، حيث تم نقل المصابين إلى مستعجلات مراكش من أجل إخضاعهما للعلاج، تزامنا مع فتح الدرك الملكي لأوريكة تحقيقا حول ظروف و ملابسات الفاجعة.

مصرع سيدتين إثر انفجار قنينة غاز و إصابة طفل بحروق متفاوتة الخطورة

  لقيت سيدتان مصرعهما، اليوم الخميس، بالمركز الاستشفائي الجهوي الحسن الثاني بأكادير متأثرتين بحروق بليغة أصيبتا بها قبل أربعة أيام نتيجة حريق شب بمنزل أسرتهما في دوار “تن گوا” التابع للجماعة الترابية سيدي بوسحاب، قيادة إمي امقورن، نواحي اشتوكة أيت باها. وعن أسباب اندلاع الحريق، الذي خلف أيضا إصابة طفل في عقده الأول بحروق متفاوتة الخطورة فرضت الاحتفاظ به في قسم العناية المركزة بالمؤسسة الصحية ذاتها، أورد شهود عيان أن المفارقتين للحياة كانتا تهمان بتغيير أسطوانة غاز ولم تنتبها لتسرب الغاز الذي عم أرجاء البيت. وتابعت المصادر ذاتها بأن السيدتين حاولتا إشعال الفرن الغازي باستعمال ولاعة، ما أدى إلى نشوب حريق بالمنزل أسفر عن إصابتهما والطفل بحروق بليغة، نقلوا على إثرها إلى المركز الاستشفائي الجهوي الحسن الثاني بأكادير. وفتحت مصالح الدرك الملكي بالمركز الترابي لبيوكرى والسلطات المحلية تحقيقا في ظروف وملابسات الواقعة، وذلك تحت إشراف النيابة العامة المختصة.

اعتقال سيدة متزوجة رفقة عشيقها المتزوج داخل فيلا مهجورة

  في واقعة هزت الرأي العام المحلي، ألقت عناصر الشرطة القضائية بمدينة سيدي قاسم، مساء أمس الثلاثاء الموافق 5 نوفمبر الجاري، القبض على سيدة متزوجة رفقة عشيقها المتزوج، داخل فيلا مهجورة تقع في الحي الجديد. ووفقاً لمصادر، فقد جاء التدخل بعد تلقي شكاية عاجلة دفعت عناصر الشرطة لمداهمة الفيلا، التي تُستغل لاستئجار الغرف، حيث تم ضبط السيدة وعشيقها في حالة تلبس. وتم وضع الموقوفين تحت تدبير الحراسة النظرية، في انتظار عرضهما على أنظار النيابة العامة لاتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة.