خلف الزلزال المُدمر الذي ضرب مناطق عديدة بالمملكة أضرارا بشرية ومادية عديدة، إذ أتى على أرواح أكثر من ألفي مغربي ومغربية، وفق آخر الأرقام التي صدرت عن وزارة الداخلية، إضافة إلى تدمير عدد من المساكن خاصة بالمناطق القروية التي كان لها النصيب الأكبر من الدمار.
هذا الحادث المأساوي والأليم لم يكن رحيما بتاريخ المغرب ومعالمه التاريخية والحضارية التي تضررت هي الأخرى؛ فمسجد “تنمل” الواقع في أعالي جبال الأطلس الكبير بإقليم الحوز قرب مراكش، مُنطلق الدولة الموحدية التي حكمت بلاد المغرب الكبير والأندلس لأكثر من قرن من الزمن والذي شيده “الخليفة عبد المومن بن علي الموحدي” في العام القرن الثاني عشر الميلادي، تضرر بشكل كبير حسب ما أظهرته صور حديثة تم تداولها على نطاق واسع على بين مستعملي مواقع التواصل الاجتماعي.
وقد ظل هذا المسجد، الذي أدرجته “اليونسكو” على قائمة التراث العالمي، شاهدا على جزء مهم من تاريخ المغرب؛ فيما عبر مجموعة من المغاربة في مواقع التواصل الاجتماعي عن “حزنهم وحسرتهم” على ما لحق هذا الشاهد التاريخي، في وقت أكدت فيه منظمة “اليونسكو”، اليوم الأحد، في منشور لها على حسابها على منصة “إكس” (تويتر سابقا)، أن “بعثة تابعة لها توجهت إلى مراكش لتقديم الدعم إلى السلطات المغربية لحصر الخسائر التي تكبدها قطاعا التراث والتعليم وتأمين المباني تمهيدا لإعادة الإعمار”.
عبد الله بوشطارت، دكتور في التاريخ، قال إن “مسجد تنمل له أهمية بالغة في تاريخ المغرب، إذ يُعد من بين أهم وأنفس المآثر التاريخية والتراث المادي للمملكة، فهو يُعبر عن عمق الدولة المغربية واستمراريتها، ويشكل فضاء حيويا في الذاكرة التاريخية؛ ذلك أنه ليس مجرد مسجد عادي، وإنما هو المركز الروحي الذي انطلقت منه الإمبراطورية الموحدية التي حكمت أجزاء مهمة في شمال إفريقيا والأندلس”.
وأضاف بوشطارت أن “المسجد يخلد مرحلة مهمة من تاريخ المغرب، هي مرحلة تمهيد للدولة وبنائها. وبعد تأسيس الإمبراطورية الموحدية فإن جميع سلاطينها، سواء عبد المؤمن أو خلفائه، فإنهم كانوا يزورون هذا المسجد في مناسبات كثيرة، ويخلدون فيه مواسم دينية عديدة وتجمعات سلطانية. ومن هذا المسجد بدأت قراءة الحزب الراتب لأول مرة، وبالقرب منه دفن الزعيم الروحي للموحدين المهدي ابن تومرت”.
ولفت المتحدث عينه إلى أن “هذه المعلمة التاريخية صمدت ضد الحروب ومحاولات التخريب وضد الظروف الطبيعية التي تشهدها المنطقة كالعواصف الرعدية والثلوج، إلى أن هدم الزلزال الأخير الكثير من أطرافه”، مشيرا إلى أن “هذا الزلزال المدمر جاء تزامنا مع ترميم المسجد في إطار شراكة بين وزارة الثقافة ووزارة الأوقاف، ولربما ساهمت أوراش الترميم في انهيار أطراف المسجد إثر الزلزال العنيف”.
ودعا المختص في التاريخ، في تصريح لهسبريس، إلى “إعادة ترميم المسجد بالكامل ما دام أن التصاميم موجوده ومتاحة. كما يجب أن يكون مشروع الترميم في إطار مشروع ثقافي وسياحي مندمج؛ لأن الموقع يجب أن يكون فضاء للذاكرة والتاريخ وأيضا موقعا سياحيا يساهم في التنمية المحلية بالمنطقة وإنعاش الحياة الاجتماعية لساكنتها”.
من جهته، قال عزيز ياسين، أستاذ التاريخ والحضارة بجامعة ابن زهر بأكادير وعضو مرصد “تيضاف” المهتم بقضايا التراث والأركيولوجيا بالمغرب، إننا “نسجل بأسف عميق الخسائر التي خلفها هذا الزلزال في الأرواح والمباني والمعالم التاريخية؛ على رأسها المسجد الأعظم بتنمل، والحصون الجماعية القديمة بكل من أكادير وقبيلة اسندالن”.
ولفت المتحدث عينه إلى أن “المسجد الأعظم، الموجود بمنطقة تنمل بأعالي الأطلس الكبير، شيّده الخليفة عبد المومن بن علي الموحدي حوالي 1153 ميلادية، ويتوفر على صومعة فريدة من حيث تصميمها الذي يتخذ شكلا مستطيلا”، مشيرا إلى أنه “نظرا لأهمية التاريخية فقد سجل ضمن لائحة التراث العالمي لليونسكو سنة 1995”.
وأضاف ياسين، في تصريح لجريدة هسبريس، أن “المرصد يتابع باستمرار وضعية العديد من المباني الأثرية، على غرار مسجد تنمل”، موضحا أن “المهتمين بالتراث والتاريخ ينتظرون فقط انتهاء عمليات إجلاء الضحايا للوقوف ميدانيا عن حجم الخسائر التي لحقت المعالم التاريخية”.
وكان مصدر بوزارة الثقافة والشباب والتواصل قد أكد لهسبريس، في وقت سابق من هذا اليوم، أن “اجتماعا سيُعقد، غدا الاثنين، برئاسة الوزير الوصي على القطاع لمناقشة إعداد برنامج استعجالي يهم جميع المباني والآثار التاريخية؛ في مقدمتها مسجد تنمل”.
تعليقات
إرسال تعليق