ساهم الطرب الأصيل، و مازال، في السمو بأذواق محبي و عشاق الموسيقى و الثقافة العربيتين، و تحصين الموروث الذي يمثل خصوصيتنا من الغزو الفكري الغربي، و قد كان له الأثر البالغ في الحفاظ على الهوية و الروابط المشتركة بين شعوب العالم العربي في كل البقاع. فكان بحق، سلاحا ناعما و فعالا في إثارة الوجدان و مقاومة انحراف البوصلة.
و رغم أن هذا الانحراف شجع أشباه المبدعين و وفر لهم إمكانات ضخمة و وسائل انتشار متعددة لترسيخ الميوعة و الانحطاط، فإن مجموعة من المبدعين الحقيقيين تجاهد بوسائل ذاتية لتشذيب الذوق العام من هذه العوالق، و تسعى بما أوتيت من عزم و إيمان إلى الحفاظ على الروح الأصيلة للموسيقى و تزكية دورها كمكون ضروري و عنصر أساسي في الشريط الذي يربط الماضي بالحاضر، نحو مستقبل نصنعه دون حذف أي همزة من تاريخنا. و من بين هذه الأسماء، نجد الفنان العراقي المغترب بالولايات المتحدة الأمريكية علي الدراجي الذي أخذ على عاتقه تشجيع الأصالة في زمن تتسارع فيه الخطى الهمجية للمعاصرة.
من الطرب العربي الأصيل الذي يستحضر العمالقة إلى قصائده و قصائد الغير التي يلحنها، يطلق الدراجي العنان للأنغام و الإيقاعات لتعلو و تنخفض، و للمواويل لتشمل كل البلدان العربية، فيغدو المتلقي غيمة تنتقل بين أزمنة متعددة و أماكن مختلفة، قاسمها المشترك الأصالة و الالتزام و الاتزان في الكلمة و الأداء و اللحن. و في هذه الأجواء، ينسى المرء التفاصيل التي تشكل واقعه، و يغيب الجزئيات التي تربطه بالمادة، ليدرك قيمة ثقافته و قدرتها في الحفاظ على روحه الأصيلة و خصوصيته الفريدة، في زمن العولمة و طغيان النموذج الغربي و ذهنية الاستهلاك التي تسعى بقوة إلى إقصاء و تحجيم كل ما يدفعنا للفخر بماضينا و التشبث به.
و في الأخير، لا يسعني سوى التأكيد بأن الاستماع إلى العراقي علي الدراجي، هو جس لوجع النخيل و تمايل مع قصب الأهوار و غوص في دجلة و ملامسة للفرات؛ تعيدك أوتار عوده إلى حزنك الأول، حيث لا مفر من التنفس بعمق و التنهد.. الاستماع إلى علي استحضار للانسان فينا و سفر حقيقي نحو الذات التي تلوثت بكثير من المادة و قدر هائل من مساحيق الزيف.
تعليقات
إرسال تعليق